في عيدها العالمي.. هل يكفي المرأة يوم لتقدير فضلها؟!

 

عطاءٌ​​ يفوق الحدّ

​​ وتقديرٌ

​​ يقلُّ​​ عما​​ يليق بها!

نورا محمد​​ ​​ مصر

Le lien mère-enfant vu par de grands peintres au Musée des Beaux-Arts de  Reims

"هناك قوتان في العالم

​​ واحدة​​ للسيف

​​ والأخرى​​ للقلم

​​ وهناك تنافس وتحدٍ كبير​​ بينهما​​ 

​​ هناك​​ أيضا​​ قوة ثالثة أقوى من​​ الاثنتين

​​ تلك هي​​ القوة​​ التي تملكها المرأة".

محمد علي جناح (مؤسس دولة باكستان))

في الثامن من​​ آذار​​ "مارس"​​ من كل عام، يحتفي العالم بالمرأة كونها الأم والأخت والزوجة ورفيقة وشريكة الحياة، يمنحها جزءًا بسيطًا من حقها، بالكلمة، بالتحية والتقدير،​​ والثناء على جهودها المثمرة وكرمها المستمر. الأم التي​​ تمنح​​ بدورها للحياة​​ روحا جديدة، يدب​​ في​​ كيانها​​ على​​ أرض الحياة؛ تُولد معه وكأنها​​ عملية الخلق الأولى،​​ حيث​​ تفْنَى​​ هي كي يبقى​​ المخلوق​​ على قيد الحياة.​​ 

 

تجزع​​ وينتفض قلبها إن راودتها فكرة​​ ألم​​ ينال​​ صغيرها،​​ أو​​ كلما شعرت أن مهمتها لم​​ تُنْجَزْ​​ على أكمل وجه،​​ ليغدو​​ صغيرها هو الهدف والمشروع الذي تستثمر فيه جهودها،​​ حتى تضمن تأدية رسالتها على الأرض بمنتهى الاخلاص والتفاني. الزوجة​​ التي تمنح للحياة​​ القيمة​​ والمعنى​​ تتحول​​ إلى​​ وطن بعد طول ترحال​​ يُشْقِي​​ قلب شريكها في البحث​​ عن مأوى وسكن لمشاعره وأفكاره،​​ وتتحقق​​ بوجودها المودة والرحمة التي جعلها​​ الخالق​​ المنهج لضمان حياة زوجية​​ هانئة​​ مستقرة،​​ وتصبح هي المُنقذ من وحدة القلب المتألم والفكر الشريد،​​ ونعيم الجنة في الدنيا القاسية،​​ والإبنة التي تتبدل معها القسوة إلى​​ رأفة​​ وحنان، ​​​​ فلذة الكبد التي كلما نظرتَ​​ إليها؟​​ شعرتَ​​ بقطعة منكَ​​ تسير على أقدام بشرية، حاملة بين ضلوعها قلبكَ​​ ودمكَ​​ وكيانكَ​​ في ملامح أنثى بريئة، لتتعرف بها​​ إلى الإنسانية في ثوبها الجديد، وبوجودها​​ يلمس داخلك إنسان لم تعرفه من قبل.

 

قد يكون الاحتفال بالأم​​ في يومٍ واحد هو ظلم كبير؛ لفضلها العظيم على الكون بأسره، فهل تذبل الزهور بعد الربيع أم أن عطرها​​ يستوطن​​ كامنًا في​​ الوجدان؟ هل تفنى الألوان بعد أن ترسم لوحة الطبيعة الخلابة،​​ أم أن أثرها​​ يستقر​​ في روحك أبد الدهر؟ وهل تضيع المرأة​​ في​​ الدروب فلا نلتفت إليها إلا في تاريخٍ محدد​​ عَيَّنَهُ​​ البشر؟!​​ من جانبي​​ أرى الاحتفال​​ بالمرأة​​ يشرق كل صباح، لا يُقيد بأغلال أو يتم اختياره وفق معايير خاصة؛ فهي شمس الحياة التي إن غاب نورها؟​​ فلن تعرف البشرية سبيلها​​ المستقيم!​​ ولن تُحسن العيش،​​ بل​​ تضطرب وكأنها ذاقت طعم اليُتم قبل الأوان!

 

أتساءل.. ما هو شكل​​ الحياة إن غابت المرأة عنه؟ هل​​ يصبح​​ العالم​​ غابة شرسة يتسابق فيها الإنسان على​​ كسب​​ الأموال والمناصب فحسب؟! دون لمسة حانية تُزيح عذاب الأيام،​​ أو​​ نظرة دافئة تُبدد ألم العُمر، ودون احتضان لتعاسة القلب يغسل حزنه ويُعيده​​ إلى​​ سابق عهده، فهل يتحقق الحب دونها؟ وإن تحقق فكيف يكتمل إن غابت من تُكمل معناه؟ يصبح الحب حينها امتناناً​​ لصنع الخالق من طبيعة خلابة،​​ ومخلوقات على كل شكل ومن كل​​ لون.​​ لكن حب المرأة هو الوجود والغاية الحقيقية،​​ وقانون المعادلة التي تتحقق به.​​ 

 

هي الطرف المعطاء دون مقابل، قد يكون المقابل هو إدراك قيمتها​​ التي لا تُقدر؛ فهي أغلى من كنوز الدنيا، وقد يكون الاعتراف بسمو مكانتها بين البشر. الحق أنها أصل البشرية؛ فبدونها لن تخرج أجيال للحياة لاستكمال مسيرتها، لن تتجدد الحياة​​ إلاّ​​ من رحمها، لن تُخلق ملامح جديدة على الأرض،​​ ولن​​ يعود​​ للكون​​ من​​ جدوى! يتبدد في غمضة عين، تشتعل الحروب​​ ثم تخمد​​ بكلمة واحدة منها، فهل من العدل أن​​ يقتصر العام​​ على​​ 24 ساعة​​ فحسب​​ كي نقف لها احترامًا وإقرارًا​​ بحقها علينا؟!

 

المرأة.. عقل​​ تحكمه القوة والمثابرة وقلب ينتفض بالأنوثة​​ واللطافة​​ والأمومة.

 

لا خلاف​​ أن المرأة هي شعلة البداية؛ فعلى يدها​​ يتخرج​​ جيلٌ​​ صالحٌ​​ يُعيد ترميم ما أفسد​​ غيره، وإن لم يكن كذلك فلا تطلب منه الصلاح والاصلاح! الأمر يعود لها وما​​ زرعته​​ في​​ داخل الأبناء من قيم وأخلاق باقية، تلك التي تتلاحق عبر التاريخ فتتشرب منها الأجيال القادمة،​​ ودورها لا يقتصر على أطفالها فحسب؛​​ بل منوطٌ بها تهذيب​​ البشرية بأكملها.

 

اليوم.. استطاعت المرأة أن تجمع بين القوة والحفاظ على أنوثتها في آنٍ واحد؛ حيث​​ تواجه​​ الحياة بسلاح العلم والعمل به​​ ولا​​ تتغافل عن فطرتها في الأمومة وتكوين أسرة. قديمًا كان حق المرأة في التعليم شبة مسلوب،​​ ولم تتمكن من كسر حواجز الأمية وتخرج من بين أنيابها.​​ لكنها​​ الآن​​ استطاعت​​ أن تشق طريقها في الحياة بعقلها الذي هو سر نجاحها، تمكنت من إثبات وجودها على الأرض بدخولها ساحة العلم والعلماء.

 

​​ أما​​ عن النماذج النسائية الناجحة التي أشاد العالم بها​​ في مختلف المجالات فحدث ولا حرج.​​ بعضهن برع في مجال الطب وعلوم الطاقة والإعلام والأدب وغيرها، حتى في​​ الطهو،​​ وهي موهبتها التي تفردت بها دون منازع، خرجت بها إلى النور واستطاعت أن تحفر من خلالها اسمها بحروفٍ من ذهب،​​ فتجاوزت​​ المرأة جدران بيتها وخرجت لبراح الكون للتأثير والتنوير، خرجت من حدودها الضيقة لتتألق في رحلتها على الأرض.. أنثى وصاحبة رسالة

 

وهكذا​​ تستحق المرأة أن​​ نَفِيها​​ قدرها،​​ وننشر إنجازاتها ونطالب بحقوقها المنسية، نحارب كل مظاهر العنف التي تُمارس حيالها،​​ وقد​​ تفاقمت في الفترة الأخيرة​​ وتجاوز​​ الأمر​​ حدّ العنف​​ والشروع​​ في قتل الزوجة​​ الأم!​​ القرار حاسم​​ يحتاج إلى النظر​​ بحزم​​ نهائي،​​ لتحرر المرأة​​ نفسها​​ من استعمار الذئاب البشرية،​​ ونقتص من الجناة​​ بحق الحياة؛ فالمرأة هي الحياة​​ بعينها، وبعد ذلك فأي​​ ذنب​​ بحقها​​ لا يُغتفر.

 

​​ قد يكون​​ من​​ واجبنا نحن النساء أن نستمر في سعينا نحو الهدف،​​ في​​ التربية السليمة،​​ وتكوين أسرة سوية، ولا نغفل عن حقنا تجاه أنفسنا،​​ وأن نُشيد لنا قصورًا​​ من العلم والثقافة،​​ ونتحدى​​ الجهل​​ لتصبح المعرفة صديقتنا الصدوقة؛ فالمرأة دون دراية بالحياة لن تستطع تكوين عقول صغارها،​​ ولن تكون جديرة بالأمومة من الأساس!

 

تحية شكر وعرفان لكل نساء العالم.

 

تألقي​​ يا صديقتي..​​ ولا تسمحي لمخلوقٍ أن يُعرقل مسيرتك في الحياة، أنتِ وهج النهار، دونكِ يصبح الظلام مصيرنا الأبدي! كوني امرأة تنحني لها الحياة تبجيلًا وتعظيمًا، انشري التسامح والود في جميع الأرجاء، كوني زهور العُمر التي لا تنقطع نفحاتها الطيبة، تمايلي بين الغصون برقة كي​​ ينتشر​​ منكِ رحيق الجمال، وتأكدي أن قدرك أكبر من أن يقتصر على يومٍ فحسب، أنتِ عيد كل يوم؛ بل الأيام تستمد منكِ أعيادها.

 

كل عام والمرأة هي عيد الحياة.

 

للمشاركة

Nora_Mohammad

كاتبة مصرية

Read Previous

أم طفل التوحد.. أين حقها في رحلة كفاحها؟!

Read Next

ابتهال

6 Comments

  • يقول سقراط: المرأة أحلى هدية قدمها الله إلى الإنسان، وسر عبقرية المرأة قلبها.

    كل عام وأنت بخير عزيزتي نورا …رمضان كريم مقدما.

    • أستاذتي الغالية.. أ/إيناس.
      كل عام وأنتِ مبهجة وراقية في حروفك.
      رمضان كريم، الله يسعد قلبك بالخير والسعادة.
      كل الشكر لكِ يا رائعة ❤️

  • تختارين دوما مواضيع هامة للمجتمع
    وتقاربينها ببراعة.. وموضوعية
    أحسنت للغاية.. أخت نورا
    رمضان كريم على الجميع
    كل عام وأنت بخير
    مع سائر الأخوة قراء وكتاب الروافد

    • أشكرك أستاذي الطيب المبدع.. شهادة أعتز بها كثيرًا، أتعلم منك معاني التفرد في الكلمة والحرف، كل الشكر لك على دعمك ووجودك العطر.
      كل عام وأنت بخير ورمضان كريم أستاذي، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ❤️

  • من نعم الله على الخلق..؟ أنه خلق المرأة
    وميّز وجدانها عن طبائع الرجال
    فلو خلق الله الأنثى بطبيعة الرجل الذكر؟
    لتحولت الأرض إلى مستنقع من الخيانات

    والمرأة التي لم تحظَ برجل
    يقدسها ويغسل قدميها
    ثم يتوضأ…. بطهرها؟
    لهي امرأة مطعون في أنوثتها

    وأجمل النساء.. المرأة الأم
    “وأجمل الأمهات.. تلك
    التي انتظرت إبنها
    وعادْ…عادَ مستشهداً فبكتْ
    دمعتين وردة
    ولم تنزوِ في ثياب الحداد

    أجمل الأمهات التي
    عينها لا تنامْ تظل تراقبُ نجماً
    يحوم على جثة في الظلام”

    من الغبن أن لا يشار بوضوح أن
    “أجمل الأمهات” هي من نظم
    حسن العبدالله من الخيام في لبنان
    وليست لمحمود درويش!!؟
    فاجأني هذا الإلتباس المتكرر
    على كثير من مواقع الشبكة العنكبوتية

    https://www.youtube.com/watch?v=dVoZxNqdMIk

    والمؤسف حقا أن يكتفي الشاعر
    بهذه القصيدة ويغيب نهائيا عن الساحة الأدبية
    حسن العبدالله الذي نظم القصيدة
    ثم شاخت قريحتُه واستسلمت نبضات قلبه للكسل

    نشف الحبر من قلمه ثم غاب عن السَّمع
    ليتحوَّل وهن الشاعر
    إلى الرسم يداري به “هزيمته المنكرة”
    ولا أقلل من شأن الرسم على الإطلاق

    لكنني حقا لا أدري.. هل ظلمت الرجل؟
    لعله لم يجد ما يكفي من الحوافز؟
    ليتحفنا بأجمل القصائد كما أتحفنا بأجمل الأمهات
    قبل أن يعلن إفلاسه من الشعر، و يغيب عن جمهوره
    “ثم يبكي دمعتين ووردة” ويتوارى عن الأنظار.

    أيام قليلة وتحل البركة مع شهر الصوم الفضيل
    من جديد.. كل عام وأنت بخير.. سيدتي الكريمة

  • “والمرأة التي لم تحظَ برجل
    يقدسها ويغسل قدميها
    ثم يتوضأ…. بطهرها؟
    لهي امرأة مطعون في أنوثتها”

    كوني قارئة وامرأة يعنيها ما تقول؟
    فيصح لمثل هذا الخطاب النبيل
    أن تزدان به لوحة بالخط الديواني الأنيق
    وتعلقها كل امرأة في بيتها
    وعلى أبواب المحاكم الشرعية
    لتبقى مطبوعة في عقل كل رجل

    شكرا جزيلا على عنايتك… سيدتي الكريمة
    رمضان كريم
    خالص مودتي كوني بخير.. إبراهيم يوسف

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *