مؤامرة تكنولوجية مدروسة.. والأنثى ضحيتها
نورا محمد – مصر
إذا أردت أن تنال من خصمك في مفاعيل الاتصالات؟ فلا تطلق عليه رصاصة الإشاعة وحدها تكفي. وأخطر الإشاعات تلك التي تشبه الحق، ولكنها ليست من الحق في شيء. كحق مزأبق غالبا ما يراد به إلاّ الباطل. هكذا تحولت كبسة زر قادرة أن تلهب الرأي العام على الشاشات، واستنفاره ضدك في الغالب، وليس إلاّ بالصدفة فحسب تتمخض الإشاعة لتأتي في مصلحتك.
ولعل أوضح دليل على صحة هذا الرأي؟ اكتظاظ السجون بكثير ممن أساءوا استخدام "السوشيال ميديا"، التي لا تقتصر على المستهدَفين وحدهم، بل تطال طابخ السم نفسه. والأخطاء من هذا النوع تتجاوز في اعتقادي الجناية لتبلغ حد الجريمة المنظمة. وأهم أسبابها جني المال بلا تضحية أو تعب.. والإساءة إلى سمعة الآخرين، من سياسيين أو قائمين على الشأن العام، وحتى حملة الأقلام في مختلف المجالات، كصحافة السينما والسياسة وسوى ذلك. هذه الممالك تتحرك بوحي من المال؛ "الورق الأخضر" فيرفع البعض إلى القمة، وغالبا ما يرمي به إلى عمق الهاوية.
من شاشة الشهرة إلى سجون العدالة! -
الإتجار بالبشر.. لعلها التهمة الرئيسة لفتيات أثرن غضب الرأي العام، بسبب "فيديوهات" أعددنها من المعيب حقا أن تُعرض أمام خلق الله على الشاشات، لما تتسم به من إيحاءات خادشة للحياء ومفاعيل ألفاظ هدامة لمستقبل الأخلاق، فيما عُرف إعلاميًا بقضية "فتيات تيك توك".
حيث نال بشدة من مستقبلهن، ليستكملن مسيرة الشهرة في السجون خلف القضبان! هكذا جنى ذووهم ثمار سوء التربية، والتردي الذي تورط فيه الأبناء، وهم تحت تأثير الشهرة والغنى واللامبالاة، ليواجهوا ثمار خيبتهم من التشرد والحسرة، وضياع مستقبل لم يكن قد بدأ بعد.
من سوء طالع هذه الأيام أن يغدو جمع المال مسألة بسيطة للغاية، لا تحتاج لكدح أوعناء فلا تقضي يومك في المشقة والعمل، لتعود مُنهكًا آخر النهار ولا تجد أمامك إلا أن تُلقي بجسدك الموهن على أول مقعد في الدار، وقد نال منك تأثير العمل المتعب طوال اليوم؛ ليس إلا لتكسب قوت يومك بعرق جبينك والرزق المبارك الحلال. بينما يكفي أن تفتح "سحر الكاميرات"! ولست بحاجة بعدها إلا إلى وسيلة في غاية البساطة. لا تزيد عن الشبكة العنكبوتية، فتسلم أمرك "للإنترنت" وسيلة شديدة الإغراء، ثم لا تتورع عن القول "سمعًا وطاعة يا أصحاب الأموال"!
ما روّجت له إحداهن تحت مُسمى "شغل محترم"، عندما انتشر لها "فيديو" طالبت من خلاله الفتيات بالانضمام إلى "الوكالة" التي تقوم على إدارتها، ولم تكتفِ بذلك، بل وضعت بعض الشروط للقبول في العمل. بالدرجة الأولى "شكل لائق وسن محددة"، وسرعان ما شاع الخبر وانتقل المقطع المصور بسرعة، حتى غدا حديث البلد الأول في العلن، لتتعالى الأصوات المنددة مطالبة بزجها في السجن لكي لا تنجرف الفتيات وراء دعوتها. دعوة "الدعارة" لتخسر قيمها ومبادئ ذويها ممن علموها العفة والشرف دون "الشطارة"، عندما تهاونت بسمعتها وإنسانيتها وألقت بأخلاقها في سلة القذارة والمهملات، يفوح منها العفن والرائحة الكريهة تخنق الأنفاس!
تبدأ الخطة بالتحريض أولا؛ تحريض خفيّ ونوايا مُبيتة ترتدي قناع الطيبة والخوف على مستقبل من تتوسل "القرش الأبيض" يشد أزرها في يومها الأسود! فالحرص على تأمين المستقبل في الأزمات الإقتصادية هي القشرة الخارجية، التي تظهر للعلن وما أعد في الخفاء كان أشد وأعظم.
حينما تنكشف البلوى تكون قد وقعت "الطوبة في المعطوبة"، لتبدأ المداجاة ومحاولات التبرير الفاشلة التي لا تنطلي على أبسط الناس، وقد تعرت النفوس وبانت حقيقتها، فمن كانت تُقسم وتدّعي أن عملكِ سليم ولن يُصيبكِ أي ضرر، باتت هي المُتهم الأول وأنتِ الفريسة التي وقعت.
الأمر الذي حدث بالفعل وأكدته بعضهن في أول اعتراف لها أمام النيابة، والغرض كانت الوظيفة وتوفير فرص عمل لهن تحت ستار "المذيعات"، وذلك من خلال إقامة صداقات مع الشباب والحصول على مكاسب مالية، مُبررة ذلك بأن الحظر من "الكورونا" و"العزل المنزلي" عرقل شؤون للكثيرات، وألقت بثقلها الأزمات والحاجة إلى المال على حساب عفة ومستقبل الفتيات!
وعلى غِرار "الفيديو" الذي أعدته "ح.ح" - الطالبة بآخر سنوات دراستها الجامعية - بدعوة الفتيات للمشاركة، في وكالتها من أجل جني الأرباح مقابل عرض أنفسهن من المنزل، ومن ثم كسب صداقات الشباب، حينما لم تنعم صاحبة العلاقة بالأموال، التي جنتها بعد تأدية عملها على أكمل وجه، عقب استدراج الفتيات دون رحمة بأوضاعهن، لتقتص منها عدالة الأرض والسماء.
تمثلت أولى صفعات العدل في القضاء على مستقبلها الدراسي، حيث تمت إحالتها إلى الشؤون القانونية لبدء التحقيق معها، بدعوى قيامها بما يتنافى مع الآداب العامة، والرؤية أصبحت كالشمس واضحة المشهد، لأن عقوبة من تسلك طريقها تصل إلى الفصل النهائي، فأي خراب هذا ومن يُمول تلك الوكالات، للايقاع بفتياتنا وتركهن في مهب الريح بين العار والخيبة والضياع.
-تضارب آراء الشارع العربي:"بيستحقوا".. "حرام مستقبلهم ضاع!"
هذه الأحكام انقسم حولها الشارع العربي بين مؤيد ومعارض وبين بين، فمنهم من استنكر الحكم على من في مثل أعمارهن، بالحبس لهذه الفترة التي تستمر لسنوات، فيضيع مستقبلهن في السجون. لتطل علينا إحدى حاملات شعلة القانون وترفض ما صدر تجاهها، مؤكدة أنه لا توجد أدلة تثبت التربح غير المشروع، أو تجارة البشر بالدعارة: "الحكم قاسٍ للغاية"والبعض الآخر أيد الحكم باعتباره "قرصة ودن" عادلة لمن تُسوّل لها نفسها بهدم قيم المجتمع وأصوله العريقة.
ولكن مواقع التواصل الإجتماعي أيضا، انتفضت غضبًا على من يرفض ويشكك بقرار المحكمة، حيث أعرب رواده بأنه لابد أن يتحمل الجميع نتيجة الجُرم الذي ارتكبته فتاة في عمر الزهور، وأن العدل هو أساس المجتمعات في كل البلدان، خصوصًا وأن الفترة الأخيرة شهدت نقاشات مستفيضة تناولت القيم والأخلاق، والحرب على المبادئ والأصول بعدما انتشرت "الخلاعة" انتشارًا واسعًا، وأصبح الخوف الأكبر أن يسود هذا الفكر المبتذل بين فتيات بلادنا، فيغدو المنهج الغالب وجزءا من أسلوب الحياة، ذلك الخطر الحقيقي الذي يُهدد البيوت والأسر، ما يستدعي وجود رادع لمن يسلك هذا الطريق مسلوب الوعي والإدراك والإرادة، دون شفقة أو الرأفة بهم.
ومن هنا أمطرت التساؤلات على أذهان الشعوب العربية كافة.
-هل ينتهي هذا السيناريو الممجوج يومًا؟
-هل يتم استئصال عناصر عصابة نشر الفسق؟
-هل تعود الطمأنينة إلى النفوس كما كانت؟ بلا خطر الحرب الإلكترونية المُمنهجة المنكودة؟
-ما مصير المرأة أمام حرب الشهرة والمال والطمع في مفاتنها؟
المؤسف أن تكون الشهرة هي المطمح الأول والأخير، بوسيلة لا تمت للأخلاق بأي صله! وقد بات بلوغ "القمة" هو الهدف الذي يسعى إليه شبابنا، دون التقيد بالأسس والقيم التي يجب أن يتحلوا بها أولًا، حتى يتسنى لهم بأن يكونوا أهلا لها، المُحزن أن الوضع يزداد سوءًا! وكثير من المنصات أصبحت تطغى على "عالم السوشيال ميديا"، البوابة لدخول هذا العالم والإبحار فيه.
- والحق أن الإبحار فيه هو غرق مؤكد! وقلَّ من يدرك هذا الخطر!
- تطبيقات الضياع تجتاح المجتمعات، والأنثى من تسدد الثمن!
"وتيك توك"على سبيل المثال لا الحصر، من التطبيقات الإلكترونية التي ظهرت لنا أخيرا. كان الأمر في البداية مجرد منصة لعرض "الفيديوهات الخفيفة المضحكة"، ولا ضير في ذلك أبدا.
لكن سرعان ما تبدلت الحال وأمست مصيدة يقع فيها الشباب! والمسرح الذي تعتليه كل الأعمار، ليس إلاّ من أجل الشهرة وجني المال، مما يقدمونه من "عبث" يتنافى مع الحد الأدنى من الأخلاق! والغريب المستهجن؟ أن المحتوى يحصد ملايين المشاهدات خلال ثوان معدودات.
- لكن برأيك.. ما هو محتوى الثواني المعدودات ؟
-وهل يُمكن لهذا الوقت البسيط أن يتحول إلى حديث الساعة، ويترك "صاحبته" مُقيدة بأغلال الندم، معزولة بين جدران السجون، حتى تستهلك الحسرة عمرها وسمعتها.. وتحطم مستقبلها؟
وأما عن استغلال جسد الزوجة من أجل الغنيمة الأكبر! وبناء على ذلك أوضح الخبراء والمتخصصون في العلاقات الأسرية بأن الجميع يسعى وراء الكسب المادى، حتى أن الوضع تطور في الوقاحة والتمادي، فتجاوز حدود الشئمة والشرف عندنا، ليتحول الزوج إلى وغد يعرض زوجته أمام الكاميرا في سوق نخاسة النت، كأبشع ما تكون عليه صورة الزوجة الضحية.
فأين النخوة؟! وأين الدم الحامي؟! أين احترام الجسد وقدسية العرض والشرف؟! هل تحولت الزوجة إلى "عروسة ماريونيت" تحركها الأيدي الآثمة وتلهو بها شهوة المال ولو بلا رغبات؟!
-" تعالوا شوفوا مراتي".. آخر "تقاليع" الإنحراف الإلكتروني!
ومن أخطر القضايا التي شغلت المجتمع في الفترة الأخيرة، قضية إحدى الفتيات التي نشرت "فيديوهات"، تظهر فيها بصورة لا تليق بفتياتنا وتهدف من ورائها إلى كسب المال، وهو ما بات في حكم الواقع المعتاد وعصر الفساد التكنولوجي. لكن الثقافة الدخيلة على مجتمعاتنا أن تصطحب سيدة تتأبط ذراعها، وتزعم للإفادة أنها زوجتك من أجل تصوير مشاهد مُنافية للآداب!
وهذا ما حدث على أرض الواقع، حينما شاركها أحد الرجال، الذي أتقن دور الزوج في البداية، ليتبين لاحقا أنه ليس إلاّ "صاحبها" ويصغرها بـعشر سنوات، حيث تم إلقاء القبض عليهما في إحدى الشقق المستأجرة، وتوجية تهمة التحريض على الفسق والإخلال بالآدب الإجتماعية، وعليه تمت إحالتهما إلى النيابة العامة، التي أمرت بحبس المتهمين أربعة أيام على ذمة التحقيق.
وبالمواجهة اعترفا بتصوير الفيديوهات، وبثها على حسابها الشخصي على موقع "تيك توك" بهدف الجني المالي بنشر الفجور العلني بلا تردد أو خجل، حيث يتم اقتسام الأرباح بينهما.
ولكنها أنكرت التُهم المنسوبة إليها بالتحريض على الفسق أو الإخلال بقيم المجتمع والآداب العامة، وجاء الانكار بعد أن أدركت حجم الكارثة التي تنتظرها، داخل السجون بالعباءة البيضاء.
نعم.. بالرغم من كل الاعتبارات والدواعي والأسباب، فإنها ضحية بلا ريب! ولئن اقترفت إثما وذنبًا كبيرين، فبراءتها يبررها دهاء المخططات، التي ترمي إلى الاستثمار فيها، كسواها من الضحايا على مذابحهم، وهن بالنتيجة يستغثن من أجل حريتهن من جديد، والجاني ينعم بالثمن!
-الوعي.. بدلًا من الندامة.. والنحيب
إِذًا فاليقظة وحدها هي الحل والوعي هو الدواء، لمن يحاول أن يُلقي بنا إلى الهاوية، ويُعيدنا إلى الجاهلية الأولى، التي انتهت ولو أطلت برأسها من حين إلى حين، ليتمكن منا عدونا عدو الفكر والقيم وواحد منا. هذا العدو الصديق لن يهدأ ويتركنا بحالنا قبل أن ينهش لحمنا وإدراكنا. يُلقي شباكه ويحكم قبضته على فريسته، ثم يتوارى وإن كشفنا أمره؟ يتهمنا أنا بإرادتنا سلكنا دربه.!
هذ دعوة صادقة لتحرير المرأة من قبضة الفساد، والمخططات الخارجية التي جعلت منها ضحية. المرأة التي خلقها الله وكرّمها، لا تستحق أن تتخبط أمام من تسول له نفسه أن يستغلها كيفما يشاء. صارت المرأة اليوم تنظر بعين العقل والإدراك لا بعين السذاجة أو الغباء. فكوني حذرة يا صديقتي من تطبيقات الهلاك التي تتخفى بالـ"فلورز" و"اللايكات". إن هي إلا خدعة وحيلة مبيتة للإيقاع بك، وما إن تقعي في شباكها حتى يتسابق المستغلون ليفتحوا عليك أبواب الجحيم.
والخلاصة تشتت أسري وخراب نفسي وخسارة مستقبل كان مشرقا، فتعالي نضع نهاية لكل تجار الانتهازية من "مافيا النت" في كل مكان. بالوعي والتلاحم أمام الفتن ستنجين من هلاك محتم.
التعليقات الحديثة