النظرة إلى الحب في قصائد الشاعر فراس حج محمد

 

​​ 

النظرة إلى الحب​​ في قصائد

الشاعر فراس حج محمد

 

بقلم:​​ أشواق مليباري/السعودية

من​​ يتأمل الأدب عبر التاريخ الإنساني​​ الطويل؟​​ يجد أن الحب هو​​ المحور​​ الأساس​​ الذي يدور حوله، فحين يمتلئ القلب حباً، يفيض من بين أصابع الأديب على صورة كلمات وجمل​​ وأبيات، تختلط بأحاسيسه المرهفة، وذائقته العالية، وإيقاعه المميز.

 

والحب بكل ما يعني؟​​ أسمى شعور يبلغه​​ الإنسان،​​ حينما​​ تغمره​​ تلك​​ الأحاسيس الصادقة والأفعال النبيلة​​ فتعلن عن نفسها بالخروج إلى النور..​​ كاللّطف، والرحمة، والعطاء، والتضحية، وكل السمات الأخرى،​​ ومنها ما​​ تحمّل العذابات من أجل المحبوب.

 

الحب كلمة من نور، خطّتها يد من نور، على صفحة من نور.​​ هذا​​ ما يقوله جبران "النبي"،​​ والشعر​​ توأم الحب وصنوه، لا يخلو شعر من​​ نفحات​​ الحب، ولا تخلو قصة حب من أبيات ينبض بها المحبون، وكلما كان الحب​​ صادقا​​ "ومجنوناً"؟​​ كان الشعر أغزر وأكثف​​ ومعبر أكثر.​​ فكما تتفتح براعم​​ أزهار اللوز في موعدها؟ هكذا يزهر​​ الشعراء العاشقون​​ مع نبضات قلوبهم ووقع​​ عقولهم.

 

غير أن​​ ارتباط ​​ الحب بشهر​​ أو مناسبة؟ إنما هو​​ ظلم للحب والمحبين.​​ فالحب ليس له​​ حين ولا موعد​​ محدد، بل هو أكبر وأشمل​​ وأجمل​​ وأكثر امتداداً​​ في القلوب،​​ ولو​​ عدنا​​ عهودا ماضية​​ في التاريخ؟​​ فربما​​ اكتشفنا أن موعد الحب هذا مشكوك في خبره​​ وأمره! لكنها مناسبة​​ ​​ نستفيد منها،​​ لندفع​​ بالشعراء لاستخلاص رحيق كلماتهم وأفكارهم وسكبها​​ في قصائد حب، تشنّف الآذان، وتأسر القلوب، وربما​​ توغلت​​ في​​ وجع​​ عميق ​​ دون أن​​ تشفي​​ منا​​ الغليل. كما في قصائد​​ شاعرنا​​ فراس حج محمد التي يصفها في ديوانه (وأنت وحدك أغنية) الصادر عام2015: "هي القصائد هكذا!​​ لا خيال يقيدها، ولا واقع يسلسل​​ جنونها​​ أو​​ يرشد​​ عقلها،​​ أوعبثها​​ واتزانها، ومشاكستها حنانا​​ وجمالا، وثورة لا تخضع​​ لناموس وقانون...​​ تلك​​ هي القصائد،​​ أرواحنا الباقيات بعدنا".

 

فشاعرنا يكتب في الحب الذي يؤمن بكل أنواعه​​ وأشكاله ومراميه، حب الحبيب، وحب الصديق، وحب الحياة، وحب الذات، ويكتب الحب كما يقول من أجل الحب نفسه، كمعنى وجودي إنساني حيوي شامل، حب متحرر وحر، وعاشق حر​​ ومتحرر... بل متمرد! وهو ما​​ نجده​​ في ديوان الشاعر "الحب أن..." الصادر عام2017 حين​​ يقول:

​​ 

الحب أنك مثل الطير سابحة

أو مثل قارئة في الفكر تحترق

أو مثل قافية في حرفها لغة

تشتاق أغنية في لحنها ألق

الحب فكرته

لا شيء يمنعه

لا شيء يقتله

في الذات يتّسق

ويكتب حيناً عذابات الهوى، ومعاناة المحبين، فيرتل العشق في القصائد ترتيلاً، يقول في ديوانه "أميرة الوجد" الصادر عام:2014​​ 

سلبت العقل والأحلام كلا

وأسمعت الهوى لحن البكاء

جعلت الروح تسرح في المرايا

وتكسر وهمها بلظى العناء

فلست أرى لحالي من شفاء

فإن الداء من جنس الدواء

فأنت اليوم آمالي وعيدي

وأنت اليوم أحلام البقاء

 

وفي قصائد الشاعر الجديدة التي نشرها في (14/2/2021) تحت عنوان "الحب في شهر فبراير" نجد أنه يعيد تجديد حبه، واعترافه لمحبوبته بعشقه، وقلقه، واضطرابه، وعذاباته. وفي هذه الأبيات الرقيقة نجد وصفاً جميلاً يذكرنا بدمعة وابتسامة جبران، فكل ما يمكن أن يوصف الحب نجده في الطبيعة،​​ التي رسمها الشاعر​​ بدقة، وصور عناصرها​​ الفنية الرائعة​​ المختلفة، الماء والتربة والشمس والورد... ثم يعود فيتمرد متحديا​​ الخجل،​​ الذي​​ يحول دون​​ الشعور بالحب والجهر​​ بكلام​​ صريح وواضح​​ عن الحب، وحينما يضن المحبون​​ على محبوباتهم بمشاعرهم؟​​ تقف كلمات الحب على شفتيه،​​ فلا ينطق بها رغم​​ إلحاح​​ القلب الذي​​ يفيض​​ حباً عن آخره!

 

ثم يطمْئِن الحبيبة بقوله (لا تقلقي)،​​ (يطمْئِنها) بكل ما يمكن أن يسبب​​ في قلبها القلق،​​ فيدفعها​​ لتوغل في​​ متاهة القلب،​​ يخاف​​ منها​​ وعليها،​​ ثم​​ يصور​​ لها​​ الشاعر ما يبدد​​ القلق بالأمان. وهكذا​​ يزداد​​ الشوق، وتغلي مراجل اللهفة،​​ ​​ ويجن الحب في قلبها.

ولا يتردد فيستشهد​​ بآيات​​ من​​ القرآن​​ المبين، ما​​ يشير​​ إلى​​ التأكيد​​ باتساع أفق الشاعر،​​ وبعده​​ الوجداني​​ في معتقداته​​ الدينية،​​ وهو بذلك ربما يستقز​​ ​​ نقمة​​ وحفيظة​​ كثير من​​ الآخرين.

 

حُب​​ متمرد​​ ومتردد​​ وغريب​​ يزيد وينقص، يختفي ويظهر، متناقض​​ حينا متآلف معظم الأحايين، يجعل القلب تائهاً بين السخط والرضا، بين الشوق والفتور، لكن الحب إن لم يكن هذا فما عساه يكون؟​​ الشروق بعد العتمة ودجى الليل، وهطول أمطار السماء على أشجار الانتظار،​​ وكل ما يمكن أن​​ يهديه​​ الشاعر​​ من قصائد​​ اللهفة​​ والحب...​​ فافعل​​ ياصديقي كل ما بدا لك،​​ وما يوجبه عليك الحب الصادق، ولا تكن من الذين "يقولون مالا يفعلون".

 

 

 

 

 

 

 

 

للمشاركة

ash123

كاتبة

Read Previous

لو تَجاوَزْنا الحساب؟

Read Next

وَقّفْت قلبي عالدَّربْ ناطورْ

3 Comments

  • وصلتني رسالة من الأستاذ فراس حج محمد
    يشكرني فيها ويشكرك على جهدك ولياقتك
    ورأيت من واجبي أن أُشْعِرَكِ بشكره ومودتي

  • مساء الخير للجميع

    وشكراً للأستاذ الشاعر فراس، حينما أكرمني بإرسال القصائد، وشجعني على القراءة فيها، والشكر موصول للمشرف على الموقع، الذي احتضن أقلامنا منذ بداياتها، بل لا أبالغ يا أستاذنا لو قلت لك كما قال نزار قباني لمارون عبود :”ويوم يجيء الدور إلينا ويسألنا سائل: وأنتم ياكتاب الفترة الممتدة من عام 2010 صعوداً إلى اليوم.. من هو هذا الكبير الذي كان يقيِّم آثاركم، ويزن الريش النابت في أجنحتكم، ويدوزن الأنسجة الطرية في حناجركم؟ يوم يواجهنا سائل بمثل هذا السؤال؟ سنقول له بدون أدنى تردد : ” كتبنا بِمَعِيّة إبراهيم يوسف .. وبرينا أقلامنا ونحن نواكب ما يكتب. شكراً جزيلا والشكر وحده لا يكفي.
    تلميذتك
    أشواق

  • يا هلا بأشواق

    أنا يا صديقتي هش ومغلوب.. وسريع الانكسار
    يغلبني خجلي.. ويهزمني عجزي وعمري
    أرجو لك ولسائر وأفراد أسرتك السعادة والخير

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *