كعكة العيد

 

 

C:\Users\ibrah\Downloads\كعكة العيد.jpg

 

 

قبل أن أنطلقَ​​ إلى مدرستي بعدَ​​ الفِطر،​​ زوّدتني أمي بكعكةٍ​​ من بَرَكة العيد.​​ وفي​​ فرصة​​ العاشرة تناولتُها من حقيبتي​​ ورحتُ​​ أمضغُها بمتعة وهدوء،​​ وقد​​ وقفَ​​ بجانبي طفلٌ​​ من عمري​​ وَصَفِّي.​​ تأمَّلَ​​ الكعكة في يدي​​ وسألني:​​ 

 

هل طعمُ​​ الكعكة طيِّبْ؟​​ فاستغربتُ​​ كيف لا يكون الكعكُ​​ طيِّبا!​​ وأجبتُه​​ دون أن أعبأ​​ بنظرته: أجل هي حلوة المذاق.​​ هكذا أكَّدَتْ​​ أمّ​​ عباس جارة أهلي​​ أمام​​ الجميع،​​ ثم​​ أدرتُ​​ له ظهري وعدتُ​​ إلى كعكتي، دون أن يدورَ​​ في خلدي​​ البليد​​ غايته من السؤال!​​ لكنني أقسم بالله العظيم،​​ بعد​​ كل​​ هذا الزمن المُغرق في القدم؟​​ وهي يمينٌ​​ صادقة​​ حقاً.​​ 

 

إنني​​ بعد سبعين​​ حولا وما​​ يزيد من​​ هذه​​ الذكرى؟ لا زلتُ​​ أشعرُ​​ في نفس الموعد من كلّ​​ عام بغصة السّفرجل في حلقي، وندامةٍ​​ في قلبي تُحبطُني،​​ كلّما​​ خطرَ​​ لي​​ كعكُ​​ العيد، أو شممتُ​​ رائحة توابلِه،​​ أو أبصرتُ​​ أحداً يعدُّه.

 

تخطرُ​​ ليَ​​ الواقعة أحياناً​​ بلا سبب، وأقسم لك يا صديقي​​ من جديد،​​ أنني لم أستأثر​​ بالكعكة​​ بفعل الأنانية وحدها؟ بل​​ بفعل بلادتي!​​ وأحسبُك​​ تصدِّقني. لكنني مهما فعلتُ​​ اليوم واجتهدتُ​​ في محبة الأطفال​​ وملاطفتهم، وإطعامهم أطيب أصناف الشوكولا،​​ وسائر أنواع الحلويات الشهيّة؟​​ فلن أسدِّدَ​​ ما في ذمتي من شهوة​​ الطفل إلى كعكتي.​​ بقيتِ​​ الذكرى​​ تراودُني​​ أحيانا كثيرة​​ وتحفرُ​​ في قلبي، وتثقلُ​​ فكري​​ من بالغ​​ بساطتي​​ وغباوتي..​​ وأنانيتي.

 

والمؤسف​​ أن يسبقني​​ الطفلُ​​ الرجل​​ ويرحلَ​​ قبلي، دون أن تجمعني به الصدف فأحدِّثه، وأفضفض عن نفسي​​ معه​​ وأسوق بسمة إلى​​ فمه. هو​​ عيد الفطر "السعيد". لا أتمنى لكم عاما سعيدا فحسب؟ ما أرجوه للجميع​​ الفرح​​ وراحة البال والعمر طويل،​​ وأن تتقاسموا كعك العيد مع الآخرين. لو تستحق الواقعة حبيب قلبي​​ د.​​ أحمد؟​​ فأضِفها إلى ما تداولناه عن شمس الجبل من الأحاديث. ولا تنسَ​​ أبداً​​ جيرانك​​ الأطفال​​ الفرنسيين من كعكِ​​ العيد.​​ 

​​ 

​​ 



للمشاركة

ابراهيم يوسف

Read Previous

في مهب الريح

Read Next

وثائق لم تعدْ سريَّة

8 Comments

  • كل عام وأنت معلمي…وبألف خير
    وكل العالم في محبة وعافية… وسلام

  • عزيزتي إيناس

    لو كان أكثر الناس يعيشون عفويتك وأمانتك وطهارتك.. ولطافتك؟ لعمّ الخير واختفت آلة الحرب، وعاشت الدنيا بأمان وسلام وازدهار.. لكن أكثر الناس لا يؤمنون.

  • ليس من العدل يا صديقي أن تتوّقف أناملي عن ضرب الحروف
    وتركيب الكلمات وإيجاد المعاني
    ليس من العدل أن أقول لنفسي”أصخرةٌ أنا؟”
    ليس من العدل بعد الحزن ونكبة انفجار المرفأ
    أن يفتحوا لي جرحاً مخفياَ في حنايا القلب “فلسطين”
    بلاد الله اغتصبها مشردون أتوا من وراء البحار
    حرثوا أرضها ونصبوا الأشجار في بساتينها وبيّاراتها …
    واليوم يخرجوني من بيتي ويصادرونه ظلما وعنوةً مني، وتسكت عنه صواريخ المآذن….
    فهل سرقوا الإسلام منّي أيضا؟ وكان سلاحاً روحياَ معي فصار ضدي؟
    هؤلاء هم الأعداء معروفون وظاهرون للعيان

    قلّ بربّك لي من الذي أنهك البقاع وقتل النهر وأجرى فيه الحقد والقهر والقاذورات
    نفق السماك وأعضاء المجلس النيابي التناسلية مستنفرة تمارس وظيفتها.
    فيا للوقاحة والبجاحة.. وماذا جرى لبقرة حاحا النطّاحة.. بتعبير الشيخ إمام..؟

  • الدكتور أحمد شبيب

    (وطني الحبُّ …. ليس في الحب حقدُ)
    سلمت أناملك يا صديقي من كل ارتعاش وسوء
    وسلم عقلك وقلبك ولسانك إلاّ من قول الحق
    ولاشيء غير الحب.. والحق
    دعامتان أساسيتان في ترميم وبناء الأوطان

    (مش) بالضرورة الدين (يعمل) أخلاق عند الناس
    لكن الأخلاق (بتعمل) دين لكل البشر

    والمئذنة لن تتحول إلى سلاح ولو كانت تشبه الصاروخ
    كما السماء لن تمطر ذهبا كما يقول ابن الخطاب
    وسناء محيدلي لم تطمع ولا وعدها أنطون سعادة بالفردوس

    قراءة في التاريخ وحقائق عن فلسطين منذ النكبة
    قام بإعدادها الأستاذ الصديق نبيل عودة
    من أبناء الناصرة في فلسطين نشر في الروافد اليوم

  • صديقي الكريم إبراهيم يوسف

    تأخرتُ كثيرا في كتابة التهنئة، ولو عرفتَ ما مررتُ به من ظروف؟ لعذرتني..
    أتمنى لك ولجميع كتاب وقراء موقع الروافد الأدبي الرائع؛ أياما قادمة تحمل بشائر الخير والسعادة.

  • عاشقة الأدب

    الحال من بعضو يا ستي، أزمات…. تتلوها أزمات
    تعبنا والله تعبنا…. من البغي والباطل والأراجيف
    وبتنا بحاجة لمن يحمل لنا في طريق عودته من السفر
    علبة حليب للأطفال.. أو حبة دواء لمرض عضال

    الأوطان العظيمة يا صديقتي… يحكمها الأبطال
    ولا تستقيم أمور بلدان يحكمها منحرفون “وأقزام”

    كم استباحوا وجَرَّحوا وخربوا بهالبلد..!؟ يا حرام
    في مواسم العز والرخاء..؟
    عدنا من “جسر القمر” على أدراج معبد “جوبيتر”
    الساعة الثالثة صباحا.. وتابعنا دوام النهار بلا تعب

    أول ما طالعتني به زوجتي لدى عودتي من السوق:
    بعشرين ألف ليرة كيلو المشمش..؟! عمرو ما يتاكل

    ومتاعب العمر.. والتهاب أوتار الأصابع يتحوَّل
    من اليد الواحدة.. لينال من الاثنتين معا
    كلها عوامل لا توحي بالحد الأدنى من الأمان

    فهل بات الخلاص.. بالغياب والسفر البعيد؟
    أم نحن دائما محكومون بالأمل؟
    كما أراد لنفسه يوما وأراد لنا “سعد الله ونّوس”

    مهما يكن الأمر؟ الله يكرمك يا عزيزتي
    على ثقتك ومرورك الطيب.. وممنونك على السؤال

  • كعكة العيد… تفجير لواقع إنساني

    قوة قصة كعكة العيد ببساطتها ليست دراما. لكنها تخترق الحس الإنساني بمضمونها الموجز البسيط، وتتسم أيضا بلفتة أخلاقية للتفكير بالآخر.

    ما أعجبني فيها السرد بعيداً من التكلف.. والقفلة التي تُبقي الحس الانساني للقارئ متيقظا، ومتألما مع الطفل الذي اشتهى أن يتذوق كعكة العيد. ثم تأويل القراء أسباب رغبة الطفل بتذوق الكعكة.

    نبيل عودة

  • لا عليك أبدا.. فقد نشرت التعقيب من بريدي
    شكرا جزيلا على مرورك الطيب
    وهذه الشهادة من دواعي غبطتي واعتزازي

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *