اكْتَشَفَ السِّرْ؟ وأطْلَقَ قَوْلَتَهُ الشَّهِيْرَة

اكْتَشَفَ​​ السِّرْ؟

​​ وأطْلَقَ

قَوْلَتَهُ​​ الشَّهِيْرَة

 

ندى يوسف لمع.. لبنان

 

Naissance / Chat-s.com

 

في زمن​​ الأبواب المفتوحة​​ والعيش الكريم،​​ وفي بلدة من بلاد الشام، كانوا يعدون لعرس​​ طالما انتظره الجميع.​​ وكانت البلاد​​ يومئذ تنعم​​ بالأمن​​ والرخاء​​ وهدوء​​ البال،​​ ما ينعكس راحة ومودة بين الناس،​​ وعناية​​ عالية​​ في التحضير للأفراح. تلك​​ أيام مشهودة​​ حينما​​ لم يكن​​ أحد​​ ينام جائعا في​​ كل​​ الديار.​​ وكان المشاركون في العرس​​ مشغولين​​ بالتحضير​​ له​​ على قدم وساق،​​ تحدوهم​​ المحبة​​ والرغبة​​ الصادقة​​ أن ينجح​​ الاحتفال​​ وأن يتممه الله بخير،​​ فيتحدث عنه​​ الدّاني​​ والقاصي​​ في​​ كل​​ البلاد.​​ فالصبية كانوا​​ ينقلون​​ الكراسي​​ ويرتبونها في الحديقة وأرجاء المنزل.​​ والمشاركون​​ رجالا ونساء من شباب​​ وشابات،​​ كانوا​​ يعدون​​ ما يلزم من​​ تحضير​​ الفاكهة​​ وأصناف​​ الطعام.​​ 

 

​​ بينما هناك من​​ أهل العروسين من​​ كان يتولى استقبال​​ الوافدين​​ على الباب،​​ والبسمات الواسعة تعلو الوجوه،​​ والقلوب ترقص فرحا للمناسبة السعيدة​​ والزواج الميمون،​​ والتقاء رأسين على وسادة​​ واحدة بشرع الله.​​ وفي الداخل​​ من الأهل​​ والجيران​​ من​​ أخذوا​​ على عاتقهم​​ إعداد​​ القهوة​​ وأنواع​​ الضيافة،​​ والمشاركة​​ في​​ ​​ كل الواجبات.​​ 

 

في مثل هذه المناسبات؟​​ هناك​​ دائما​​ من يُنَصِّبُ​​ نفسه مرجعا​​ يستشيره الجميع،​​ يقترح ما يراه الأفضل ويبدي رأيه​​ في مختلف الشؤون،​​ بينما يتولى​​ فنيون​​ قدموا​​ لإعداد​​ ما يلزم​​ للفرح​​ من آلآت التصوير والتسجيل.​​ ينصبون​​ مكبرات الصوت​​ في​​ الزوايا​​ والساحة​​ المعدة​​ للرقص،​​ ومذياعا​​ على​​ منصة عالية​​ مخصصا​​ للمغنين​​ والمغنيات.​​ 

 

أما مقعدا العروسة والعريس؟​​ فقد أقاموهما​​ على منصة​​ في صدر البيت​​ تعلو قليلا عن​​ مستوى​​ الأرض، حيث ملأت الأرجاء باقات الزهر والورد​​ من كل​​ لون​​ ونوع،​​ تنشرعطرها كما تفوح​​ عطور​​ النساء​​ والرجال ينتشي بها​​ الإحساس.​​ الأبواب مشرعة​​ للداخل والخارج والحركة تتواصل بهمة ونشاط. كل يقوم بما أوكل إليه والجميع في حركة​​ لا تهدأ​​ كخلية​​ النحل.​​ كل واحد يحاول أن​​ ينجز​​ مسؤوليته،​​ ليكون كل شيء جاهزا​​ قبل وصول العروسين.​​ 

 

في​​ هذه​​ الأثناء ووسط هذا الهرج والمرج والصخب المتواصل،​​ كانت قطة الدار​​ دائبة الحركة​​ لا تهدأ​​ كأهل البيت،​​ تتحرك بين أقدامهم​​ تدخل وتخرج​​ مسرعة​​ في كل اتجاه​​ كأنها تشاركهم​​ عرسهم. لكن​​ القَيِّم على الإعداد ومستشار الاحتفال​​ انتبه لحركة​​ القطة،​​ تختلف عن عادةِ​​ القطط​​ في الحركات،​​ فراح​​ يراقبها​​ لعله يدرك​​ سبب​​ استنفارها..؟​​ 

 

لم يطل الوقت​​ بالرجل​​ حتى​​ لاحظ​​ بطن القطة يكاد ينفجر​​ من شدة الانتفاخ،​​ وأنها كانت على وشك الولادة،​​ وهي​​ تتجول في كل الأرجاء،​​ تبحث​​ عن مكان​​ آمن​​ وهادئ​​ فتركن إليه​​ وتبدأ نِفاسَها​​ ووضع صغارها.​​ لكنها​​ مع تلك الحركة​​ الصاخبة​​ للأهل​​ والزوار​​ لم تحظ​​ بالمكان المناسب،​​ فراحت​​ تجري محتارة مستعجلة​​ تفتش​​ في كل مكان.

 

هكذا​​ اكتشف​​ الرجل​​ السر​​ وأطلق قولته​​ "الشَّهِيْرة"،​​ التي تحوّلت إلى مثل متداوَل بين أهل الشام:​​ "الناس بالناس، والقطة بالنِّفاس". أي​​ أن​​ الناس مشغولون بأمورهم​​ والقطة مشغولة​​ بنِفاسِها. فذهب كلامه مَثَلا نردده في​​ هذه​​ الديار لمن كان مشغولا بأمر​​ سخيف، بينما تجري حوله أمور جليلة، تستحق المداولة واليقظة والاهتمام.

 

 

 

​​ 

 

 

 

للمشاركة

ندى يوسف

Read Previous

لا يعرفُ العنصرية والتّعصب الجزء الثاني

Read Next

نحو رواية فلسطينية لمواجهة الرواية الصهيونية

2 Comments

  • صباح الخير
    قرأت النص وأعجبني وصوله سريعاً إلى المثل المعروف، ولو أن خيالي (شطح) بعيداً، لأتخيل القطة تجد ملجأها تحت كرسي العريس!
    شكراً لك على النص الجميل
    تحيتي

  • أشواق.. الكاتبة والصديقة الكريمة

    ندى تبرّعتْ وكتبتْ لنا نصاً يتيماً. لكنّها عادتْ وندمتْ على ما فعلتْ، لانشغالها بثلاثِ شموس، لا يُنَغِّصُ عيشهن صبيٌّ غليظ الذهن، خشنُ الطباع، أينما طلبتَه تجِده مُدانا محتجزاً في المخافر.

    “هذه المرة”؛ أنصف المتنبي بقوله: وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ *** وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *