حتى النّفسِ الأخير

 

​​ 

حتى النّفسِ الأخير

 

إبراهيم يوسف - لبنان

 

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/3/34/Kaiseradler_Aquila_heliaca_2_amk.jpg/321px-Kaiseradler_Aquila_heliaca_2_amk.jpg

 

في التعقيب​​ 

​​ على:​​ يوم​​​ في حياةِ​​ ديك

لنبيل عودة من​​ ​​ فلسطين

 

رابط النص في الروافد

http://arrawafed.net/?p=6352

 

مُذْ​​ أفاقَ من غفوتِه​​ ذاتَ​​ صباح؟

ينطلقُ​​ مُؤَذناً​​ 

معلنا على الملأ

​​ مع أولى​​ خيوطِ​​ الفجر​​ ولادةَ يومٍ جديد

​​​​ 

"ديونيزيوس" إله النشوة والعربدة في اليونان القديمة، يبيت لياليه في مخدع "أفروديت" إلهة الحب والخصوبة، "والبغاء المقدس"..! أجمل من رأتها العيون، وخفقت لصورتها​​ قلوب الكائنات​​ على مرّ​​ العصور.​​ 

 

حارسُه وأمين سرّه​​ يدقّ​​ عليه​​ الباب،​​ لينذرَه مع​​ أولى​​ خيوط​​ الفجر،​​ لكي لا يدركَه نورُ​​ الصباح وينكشفَ​​ أمره​​ للبشر​​ الفانين.​​ لكنه تلك الليلة كان​​ تعِباً أخذتْه غفوةٌ فنام​​ وانفضحَ أمرُ​​ العاشِقَيْن،​​ حينما أدركتهما شمس الصباح وهما عن حالهما لاهيان. هكذا انتقم الإله من الحارس​​ الطائش،​​ ومسخه ديكاً يؤذن ويشهدُ على طلوع الفجر.​​ 

 

والصباح​​ لم يكن مرهونا بالصياح. لكن ديكا​​ في الزّمان كان​​ كإخوانه​​ يشهد على طلوع الفجر؛ فيعتلي​​ قمامة​​ الحيّ​​ وينادي دجاجَهُ​​ يُخَرِّبُ حقول الجيران​​ ويتسلط على الأرزاق. وصاحب المزرعة الحريص على ثروته من​​ البيض​​ والدجاج، تناهى إلى سمعه خفوتُ​​ صياح الديك،​​ وقد تقدّمت به السن​​ ولم يعدْ​​ يستجيب​​ لرغبة الدجاجات.

 

​​ فاشترى ديكا آخر؛ والديكُ الشاب الذي اشتراهُ المزارع؟ أثارَ حفيظةَ الديكِ​​ الأساس​​ وحَرَّكَ الغيرةَ في قلبِه،​​ لأنه تَعَوَّدَ​​ أن يستأثر​​ وحده بالدجاجات، ولم يقتنع بعد بمرور الزمن وانقضاء الشباب. طارَ صوابُ الديكِ العجوز من الوافدِ الغريب، ولكنه كان يكابر​​ ويكذب​​ حتى أعياه الصبر والقدرة على​​ الاحتمال؛ فاستدرجة للمبارزة والنزال.

 

في صراعٍ مميت تَخَضَّبَ بالدماء​​ نُصْرَةً​​ للحق​​ أو​​ الباطل..​​ لا فرق،​​ تعاركا على المكاسب​​ والنفوذ. طالت المعركة واحتدمت بين الجانبين،​​ والديك​​ العجوز يستميت​​ في​​ الدفاع​​ حتى النفس الأخير؛​​ عن​​ حقه المُغتصب​​ السليب.

​​ 

وحينما تَوَقّفَ​​ الكرُّ​​ والفرّ​​ بين الطرفين،​​ وانتهى الهجوم الشرس والدفاع الضعيف؟​​ أسفرت المعركة على مرأى من​​ دجاجات​​ الحيّ​​ عن انتصار الدِّيكِ​​ الغريب؛​​ فانسحب​​ الديك​​ المهزوم​​ العجوز​​ وهو يسترجع أنفاسه المقطوعة،​​ وينزوي​​ مهانا جريحا​​ في زاويةٍ من زوايا​​ خمٍّ​​ قديم. بينما راحَ​​ الديك المنتصر​​ الجديد ينفشُ ريشَه، ويمشي على رؤوس​​ أصابعِه​​ مزهواً​​ مُنْتَشياً​​ من التِّيه.​​ تسَلّقَ​​ مَزْبَلةً الشرفِ​​ الرفيع،​​ وراحَ​​ يتطلعُ​​ باعتزازٍ​​ إلى رعاياهُ​​ الدجاج.

 

من​​ على​​ المَزبلة​​ راحَ الديكُ​​ المُظفّر،​​ يعلنُ انتصاره بصياحِ المستبدِّ​​ القادر​​ اللئيم. علا صياحُه حتى بلغ​​ مسامع عُقابٍ​​ يحومُ​​ في​​ سماء​​ البلاد، فانقضَّ​​ الطائرُ الكاسر؛​​ وحملَ الديكَ المنتشي بين مخالبه..​​ وعاد يحلق​​ في الفضاء.​​ 

 

 

للمشاركة

ابراهيم يوسف

Read Previous

نحو رواية فلسطينية لمواجهة الرواية الصهيونية

Read Next

على قدر أهل العزم.. تأتي العزائم

8 Comments

  • (حتى النفس الأخير)؟ أسلوب قد يُستخدم في الصراعات، بغرض الفوز ومغادرة الحلبة برأس مرفوع ، تحكمه القدرة على الصمود والقراءة الجيدة للخصم , ما لم تحدث مفاجأة ليست في الحسبان كما حصل مع الديك الشاب.

    ومثلما اتخذ الأدب من الحيوانات والطيور شخصيات قصصية، يُسرد على ألسنتها حكايات رمزية جميلة ذات مغزى لقول ما لا يرغب الكاتب التصريح به، تمنيت لو أنتجت قصصا وحكايات تعبر عن ذات الحيوان وحقوقه ومشاعره التي يعجز عن الإفصاح بها.

  • الصديق إبراهيم

    كالعادة أنت رائع ومبهر يا صديقي..وخاتمة القصة أنيقة كصاحبها

  • بل الشكر لك يا سيدتي على مرورك الطيب، وتفضلك بالتعقيب على الموضوع. أنت عنوان مودتي واحترامي

  • كل الشكر والتقدير لمجلة معارج على اهتمامها ونشرها الموضوع

  • الصديقة العزيزة إيناس ثابت

    في عالم المخلوقات؛ الغلبة في الصراع على البقاء للأقوى، كما في عالم بشر اليوم والأمس والغد. الحق للقوة ولا قوة للحق حتى في شرعة الأمم المتحدة، التي تنحاز غالبا إلى جانب الأقوى، وفي علم المنطق؟ الباطل حاجة للحق كما الشياطين حاجة للملائكة، وكما الضعف لزوم القوة.. والقوة والضعف متناظرتان كل واحدة على طرف. هذا في اعتقادي مقياس الأمور.

    والنبي سليمان ربما كان مشغولا ببلقيس فلم يقل ما يشبع فضولنا، عمّا سمعه على لسان الحيوان والطير كحديث النملة لأختها، وأخبار الهدهد صفي بلقيس، وعصفور كان بَرِما مربكا مُستنفَر الحال يدور حول عصفورة، فقال النبي لأصحابه: أتدرون ما يقول العصفور للعصفورة؟

    قالوا: وما يقول يا نبىَّ الله؟ قال: إنه يخطبُها لنفسه ويقول: زوجيني نفسك أعدُّ لك سكناً في دمشق. وسكن دمشق ما يَعِدُ به العصفورعصفورته؟ محفور في الصخر يقاوم الشمس والريح ولا يقدر أن ينال منه أحد. لكأن عصفور سليمان يغرر بالعصفورة ويبالغ بوعده لتقبل به بعلا، كمن يَعِدُ محبوبته بالدنيا البهيّة فيصوغ لها عقدا من النجوم، ويَعِدها بفيض من أجمل الأحلام.

  • الدكتور أحمد شبيب دياب… أخي وأستاذي وصديقي
    غيابك موحش والله ونحن نمعن في السقوط المريع
    بزاوية مية وتمانين درجة نحو الجحيم
    أنت مطالب بالعودة إلينا على صهوة حائط.. أو سلحفاة

  • حين تتصارع الديوك بعنفٍ زائد تكون المراهنة على أشدّها بين هواة المقامرة بالصراعات المميتة
    لست من هواة المراهنات ولا أحب الديوك
    فقدت الديوك وظائفها وصارت عاطلة عن العمل
    وما مزارع انتاج البيض والفراريج إلّا شواهد على فقدان الحاجة إليها
    أما طلوع الفجر فناتج عن حركة الأرض حول نفسها
    ولو فنيت جميع الديكة سينبلج الصباح دائماً ما قدّر ربّي
    أمّا من يريدنيي راكبا على حصانٍ أعرج بسيف مكسور أو على صهوة حائطٍ أو سلحفاة
    فليعلم أنّي تعرّفت على عجائب البحر وغرائب المحيطات على ظهر سلحفاة تتحلى بالمثابرة والتأنّي
    ولم أكُ يوماً أرنباً ينام في الطريق فيخسر رهانه
    أما الحائط فأركبه دائماً لأشيد بنيان عنفواني وعزّتي،
    والعزّة لله وحده،
    ولأترك أيضاً من به ضعف بصر أو بصيرة ينظر لي من الأسفل فيصاب بالتشنجات في عنقه لا أكثر
    قال العدى حولي علت صيحاتهم ..
    قرّاء الروافد الأعزاء حلّفتكم بالله أن تتوجّهوا للأستاذ ابراهيم يوسف فيتركني وشأني ويكفّ شرّه عنّي فأنا نفيت نفسي إلى بلاد الغال درءاً للفتنة وكفّ الشر عني.
    أقول قولي هذا وأستغفر الله ربي لي ولكم ولكن ليس لمن يريدني راكباً على حائط للنيل مني.

  • الدكتور أحمد شبيب الحاج دياب

    من دهنو سقيلو؛ بدي نَتَّف تياب صاحبك.. حتى
    يبدو عاريا وأكشف على الملأ أفكاره المهزوزة
    التي نُكِبَتْ وتداعتْ ولم تعد مثلا يحتذى به
    فانتظرني أياما قليلة على عودتي من الريف

    سترى ما يكون من شأنك وشأن صاحبك الفرنساوي؟
    صاحب السلحفاة والأرنب.. والنملة والجندب
    والغراب والثعلب.. وأنت تقيم وتشم الهوا في بلاده

    سأستبيح سمعة صاحبك بلا تحامل… ودون رحمة
    لن أدعه بعد اليوم يهنأ في قبره.. فانتظرني أياما قليلة

    وتبقى أنت مهما تقلبت الظروف وتبدلت الأيام
    أخي وأستاذي وصديقي
    لا أستبدلك بأحد بل وأبقى من أصدق مريديك
    صداقتك وحضورك بجانبي لا يعوضني
    عنه صهريج من البنزين عيار 98 أوكتان

    و رغم ذلك فهناك من رواد الروافد من يتهمني
    بالوصولية والحقد والقسوة.. وأكثر
    لازم تزكِّيني قدام الكل إني مش إنتهازي ولا وصولي
    بحب أهلي وأصحابي.. وبخاف إغلط مع حدا
    وعندما يخطىء أحدهم معي؟
    لا أدينه بل أفتش له عن المبررات والأعذار

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *