(غابرييلا ميسترال ترجمة حسب الشيخ جعفر) لقاءٌ حافلٌ بالدُّموعْ

لقاءٌ حافلٌ بالدُّموعْ

من الأدب المترجم

غابرييلا ميسترال

ترجمة

حسب الشيخ جعفر

Peinture larme

 

حين التقيتُ بهِ​​ في دربٍ ريفيّ

لم تكنِ المياهُ قد افترقتْ عن أحلامِها بعد،

لم تكنِ الورود قد تفتّحتْ في يدٍ ما،

غيرَ أنّ اللهب قد أيقظَ​​ روحي.

وها هو وجه امرأةٍ مسكينة​​ يتغطّى بالدّموع.

*****

كان مترنِّماً بأغنيةٍ مرحة...

لم تكن شفتاهُ تعرفانِ​​ الهموم.

نظرَ إليَّ فَخُيِّلَ لي

أنَّ السَّماءَ مليئةٌ​​ بأنغامِ المزامير.

وأدركتُ أنَّ الذكرى الملهمة

ستمدّ​​ لي درباً صغيراً من الأحلام.

وتحتَ الفجرِ الأزرق المتلألىء

ها هو وجهي​​ يتغطّى بالدموع.

*****

مضى في طريقِه متغنِّياً​​ 

آخذاً عينيَّ معه.

لم تكنْ أزهارُ​​ المنثور، وهي تودَّعه،

أكثر جلالاً أو ارتفاعاً.

وظلَّ قلبي العاشق

يخفقُ​​ كالرَّايةِ​​ في الرِّيح.

لا جراحَ في جسدي

غير أنَّ وجهي كان يتغطّى بالدّموع.

*****

بعيداً عنِّي لا يعرفُ مثلَ هذه الكآبة

ولا يقضي عندَ​​ القنديل المُشتَعِل

مثل هذه الليالي المؤرقة،

ولا رغبة له بقلقي هذا،

لكن... كان يفوحُ فوق أحلامه الخفيفة

عبيرُ أزهارِ الحقول:

فليس عبثاً أن يتغطّى

وجهُ امرأةٍ​​ مسكينةٍ​​ بالدموع.

*****

وحيدةً بلا خوفٍ أو دموع

كنتُ أواجهُ الجوع والعطش،

وها أنا قد أدركَتْني

رأفةٌ مباغتةٌ من الله،

وأمي تصلّي من أجلي

بشفتين صادقتين،

لكن... ربما حتى آخرِ​​ يومٍ لي

سيظلُّ وجهي يتغطّى بالدموع.

 

 

للمشاركة

ابراهيم يوسف

Read Previous

لو كان عمري..؟

Read Next

تحتَ قبعاتِ الفطرْ

6 Comments

  • شكرا على الترجمة الواضحة
    وسمات القصيدة المعبرة

  • شكرا للشاعر المترجم حسب الشيخ جعفر، والشكر لك يا سيدتي على مرورك الكريم، ولابنتي على حسن الاختيار،
    وطيب الله ثرى الشاعرة الراحلة، التي نالت ما تستحق من التكريم في حياتها.. وفي مماتها.

  • من رحم المعاناة والألم ينبثق الأمل، وينسكب الحزن دما من حبر أسود على الورق متأرجحا بين الضفتين؛ ضفتي النور والظلام…

    هكذا هي طبيعة الحياة؛ لا تكاد تصفو حتى يعتريها الكدر، وما أن تتكدر حتى يباغثَها الصفو من جديد، وتدركنا “رأفةٌ مباغتةٌ من الله”… لكن المسألة كما تقول أنتَ، أخي إبراهيم، في تعقيبك على عاشقة الأدب في نص “بالضربة القاضية” تبقى رهينةَ ((إرادتنا في الرفض أو القبول، وكلاهما له أدواتُه وأساليبُ مواجهتِه. وهذه المواجهة خيرُ من يتولاّها المثقفون… ولو أن مثقفا، كشاعر نظم قصيدة يحرضُ فيها على التظاهر والعصيان، فلا ينبغي أن يقتصرَ نشاطُه على القصيدة فحسب، بل يشارك في الاحتجاج والتظاهر والعصيان))…

    لست أدري لِمَ ارتبط تعقيبك هذا في مخيلتي باختياركَ ترجمةَ نص: “لقاءٌ حافلٌ بالدُّموعْ”، ولِمَ كان قولُكَ في ختام هذا التعقيب: ((نحن على أبواب عام جديد، ولست متفائلا بما يلوح في الأفق من النزاعات. لكنني أرجو أن يكون العام المقبل أقل سوءا من السابق. ولا ينبغي أن نعوِّل على الرَّجاء))… أقول: لست أدري لِمَ بدا لي ختام تعقيبك هذا منسجما أيضا مع تأرجح “غابرييلا ميسترال” بين الإصرار على الوجه المغطى بالدموع رغم أن مَرْثِيَّها، إن صح هذا الوصف، ((لم تكن شفتاهُ تعرفانِ الهموم))، وأنه لما نظرَ إليها، خُيِّلَ إليها: ((أنَّ السَّماءَ مليئةٌ بأنغامِ المزامير))، بل وأدركتْ أنَّ ((الذكرى الملهمة)) ستمدّ إليها ((دربا صغيرا من الأحلام)) كما تقول هي…

    عند هذا الحد، في اعتقادي على الأقل، يتضح الفرق بين جراح الجسد وجراح الروح، ولن أجادلك، أخي إبراهيم، في كون جراح الروح تخَلِّف ندوبا ولو ضُمِّدَتْ، لكن دور المثقف، وأنت واحد منهم دون ريب، يبقى رهينا بقبول الاستسلام للجراح، أو المشاركة “في الاحتجاج والتظاهر والعصيان”… وكعهدي بك، ما أظنك إلا ممتشقا قلمك، ساكبا حبرك احتجاجا وتظاهرا وعصيانا، بل ورافضا الاستسلامَ والهزيمة…

    تحياتي الحارة أخي إبراهيم

  • أخي وصديقي وحبَّة قلبي الدكتور محمد علي حيدر – الدار البيضاء

    دعني في البداية أعترف أمام الله.. والجميع أنك أخي بحق، قبل أن تكون أستاذي وصديقي، والمثل الأعلى في حياتي وعمق وجداني. دعني أيضا أقف خجلا أمامك من شدة تقصيري معك، حينما لم أعد أملك من الشجاعة والأرادة الطّيبة ما يكفي، لإعادة ما انقطع بيني وبين أحبتي من أهلي وإخواني. بسبب المستنقع الذي لا زلنا نسبح فيه منذ أول عهدنا بهذا الاستقلال المهزوز المزوّر.

    فما من مرة مررت في “أم الشرائع” “وستِّ الدنيا” بيروت، بجانب مستوعبات النفاية في الطريق؟ إلا وانتابتني موجة من الألم والغيظ والسخط والغضب الشديد، وأنا أرى على مدار الساعات من يفتش فيها عما يأكل أو يفيد.

    أجل يا صديقي وأستاذي سأشهّر بنا وأنشر غسيلنا الوسخ على السطوح.. تَبَلّغي وبَلِّغي.. واسمعي يا أمم.. عن لبنان الكرامة والشعب العنيد.

    وما تلا من تدمير ممنهج لاقتصادنا، كأن الوباء المستشري والعوز الكافر لا يكفيان، يتغلغلان في شرايين الوطن المستباح الذبيح. وتيه أبنائنا “المطيشرين” في منافي الأرض بلا نافذة للخلاص أو فرج قريب.

    “وهالأرض لمين مْنترِكها؟ مْنترِكها للدِّيب للرِّيح، للشِّحِ اللي مَ بيتركها”. خدعونا وأوهمونا أن لبنان وطن عظيم بأرضه وأهليه. هذه بعض أسبابي ودواعي غيابي عن أهلي وأحبابي. ولعلي من حيث لا أدري اخترت للنشر هذه البكائية لغابرييلا ميسترال “لقاء حافل بالدموع”.

    سأبقى أمامك ما حييت تلميذا أمام أستاذه يذوب خجلا من شدة تقصيره. وكلّما عصفت بيَ الأحزان ولم يبقَ بيني وبين الرحيل إلا خطوات قليلة؟ أفيء إلى ظلك وأتباهى بصداقتك.. ولا أكتمك أنني غالبا ما أبكي ولا أدري والله، من أين تأتيني هذه الدموع الغلاّبة المستنفرة البغيّة، التي تغزوني وتقهرني ولم أعد أكتمها داخل قلبي لئلا تخنقني.

    أنا مقصِّرٌ مع من حولي ومقصر مع ربي. لكنني واثق أن الله سيغفر هفواتي وتقصيري.. “يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر”.. ألا تعتقد معي أنه سيغفر لي ويسامحني؟ ولا يفضحني في حياتي بما اطّلع عليه من خفيِّ أمري؟

    “يا رفيقي نحنُ من نورٍ إلى نورٍ مَضَينا
    ومعَ النجم ذهبنا ومع الشمس أتينا
    أينَ ما يُدعى ظلاماً يا رفيقَ الليلِ أينَ؟
    إنّ نورَ اللهِ في القلبِ وهذا ما أراهْ

    ليسَ سرّاً يا رفيقي أنّ أيّامي قليلةْ
    ليس سرّاً إنّما الأيّام بَسْماتٌ طويلةْ
    إن أردتَ السرَّ فاسْأل عنه أزهار الخميلةْ
    عـُـمرها يومٌ وتحيا اليومَ حتى مُنتَهاهْ”

    https://www.youtube.com/watch?v=XL0fLwSw-aQ

    ما قدمته هذه المخلوقة للإنسان في لبنان وفلسطين والوطن العربي، لم يقدمه بعد عبد الناصر سائر الزعماء العرب.

  • أخي إبراهيم
    بقدر ما شاطرتك الألم وتفطر قلبي لمعاناتك التي هي جزء من معاناة جيل بأكمله، بقدر ما تفاءلت خيرا بإصرارك على النور الذي قلت بشأنه:
    “يا رفيقي نحنُ من نورٍ إلى نورٍ مَضَينا
    ومعَ النجم ذهبنا ومع الشمس أتينا
    أينَ ما يُدعى ظلاماً يا رفيقَ الليلِ أينَ؟
    إنّ نورَ اللهِ في القلبِ وهذا ما أراهْ
    ليسَ سرّاً يا رفيقي أنّ أيّامي قليلهْ
    ليس سرّاً إنّما الأيّام بَسْماتٌ طويلهْ
    إن أردتَ السرَّ فاسْأل عنه أزهار الخميلهْ
    عـُـمرها يومٌ وتحيى اليومَ حتى مُنتَهاهْ
    مقطع رائع روعة حبك وإخلاصك لأصدقائك وأحبابك، بل ولوطنك الجريح الذي سيبقى وطنا عظيما بأمثالك وأمثال أدباء لبنان الذي اكتووا بنار الطائفية والفرقة وويلات الاستعمار، وما فتَّتْ في عضدهم الهجرة إلى القارة الأمريكية؛ شمالها وجنوبها، فأنشأوا الرابطة القلمية وعصبة الأندلس، وصدحت أصواتهم من هناك لتنشر النور والتفاؤل والصمود، ولا يزال صدى أصواتهم يعم الآفاق ويدرس للأجيال لتتعلم منهم عشق الطبيعة وحب الإنسان… أليس في قول إليا أبي ماضي التالي أكثر من عزاء للذين أحاطت بهم الأحزان حتى كاد اليأس يقتلهم:
    قـــال الليالــــي جرعتنــــي علقمــــا
    قلـت ابتســم ولئـن جرعــت العلقمــا
    فـلـعـــــل غـيــــرك إن رآك مرنـّمـــــا
    طــــرح الـكـآبـــة جانبًـــا و ترنـمـــــا
    أتُـــــراك تغـنـــــم بالتـبـــــرم درهمـا
    أم أنـــت تخســـر بالبشـــاشة مغـنمـا
    يـا صـاح، لا خـطـر عـلـى شــفـتيك أن
    تتثلمــــا، والوجــــــه أن يتحطمــــــا
    فاضحك فـإن الشهب تضحك والدجـى
    متلاطـــمٌ، ولــــذا نحــــب الأنـجـمـــا
    وهذا ميخائيل نعيمة يعزف على الوتر نفسه، ويفوق إليا أبا ماضي في رائعته التالية:
    سقف بيتي حديد ** ركن بيتي حجـر
    فاعصفي يا رياح ** وانتحب يا شـجـر
    واسبحي يا غيوم ** واهـطـلي بالمـطـر
    واقصفي يا رعود ** لست أخشى خطر
    سقف بيتي حديد ** ركن بيتي حجـر
    من سراجي الضئيل ** أستمـد البـصـر
    كلما الليـل طال ** والـظـلام انـتـشـر
    وإذا الفجـر مـات ** والنهـار انـتـحـر
    فاخـتـفـي يا نجوم ** وانطفي يا قمـر
    من سراجي الضئيل ** أستمد الـبـصـر
    باب قلبي حصين ** من صنوف الكـدر
    فاهجمي يا هموم ** في المسا والسحـر
    وازحـفي يا نحـوس ** بالشقـا والضجر
    وانزلـي بالألوف ** يا خطوب الـبـشـر
    باب قلبي حصين ** من صنوف الكدر
    وحـليـفـي القضـاء ** ورفيـقـي القـدر
    فاقدحي يا شرور ** حول قلبي الشـرر
    واحفري يا منون ** حول بيتي الحـفـر
    لست أخشى العذاب لست أخشى الضرر
    وحـليفي القـضـاء ** ورفـيقـي الـقـدر
    أخي إبراهيم
    لا أريد أن أستحضر المزيد، فكل عشاق الأدب المهجري يعرفون ما كان لأمثال هؤلاء من عمالقة لبنان والإنسانية، في الشعر أو في السرد أو كل أشكال الكتابة، من دور رائع امتد إلى ما بعد رحيلهم، بل وسيظل في اعتقادي منارة مشعة بالنور تغزو الظلام…
    أخي إبراهيم
    هل رأيت كيف ذكرتني جراحك بعذب الكلام؟ فلا تعتذر أخي عن طول الغياب أو التقصير، لأني مثلك أغيب طويلا وأقصر في حق الأصدقاء، فأين أنا من قول الشاعر وهو يصف الصديق الحق في قوله:
    إن صـــــــديق الحـــــــق مـــــــن كـــــــان معـــــك
    ومـــــــــــن يضـــــــــــر نفســـــــــــه لينفعــــــــك
    ومـــــــــن إذا كيـــــــــد الزمــــــــــان صــــــــدعـك
    شــــــــــــتت كــــــــل أمــــــــــــره ليجمعـــــــــــك

    وأخيرا وليس آخرا، وجوابا عن سؤالك ذي الطبيعة الإنكارية البلاغية: ((ألا تعتقد معي أنه سيغفر لي ويسامحني؟ ولا يفضحني في حياتي بما اطّلع عليه من خفيِّ أمري؟))، أقول: كيف لا أعتقد وأومن بيقين أن مغفرة الله أكبر من ذنوبنا؟ ومن نكون وكيف سيكون المآل إن لم تتداركنا مغفرة الله، وهو القائل سبحانه في سورة الزمر، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))، وهو تعالى القائل في سورة الحجر: ((وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ))، وهو القائل أيضا على لسان يوسف عليه السلام: ((يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ))… وها أنت أخي ترى كيف أن القانط من رحمة الله ضال وكافر والعياذ بالله، وأن رحمة الله ومغفرته واسعة، وأن رحمته وعفوه هما المعول عليهما، وليس مجرد أعمالنا التي لن تُقبَل إلا برحمته سبحانه، فضلا عن أن الهداية إلى عمل الخير هي بفضل الله تعالى وتوفيق منه، ولا أحد منا يعلم هل قُبِلَ عملُه أم لا، ولهذا يقول ﷺ: ((والذي نفسي بيده، لا يدخل الجنة أحد منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل))… لذا أعيذك بالله أخي إبراهيم أن تقنط أو تيأس من رحمته ومغفرته، وأسأل الله لي ولك ولكل المؤمنين أن يشملنا بعفوه ومغفرته، وأن يختم أعمالنا بالصالحات. آمين.
    وتقبل في الختام تحياتي الصادقة، وسلام من الله عليك ورحمة وبركات.

  • ( من رحم المعاناة والألم ينبثق الأمل، وينسكب الحزن دما من حبر أسود على الورق متأرجحا بين الضفتين؛ ضفتي النور والظلام…)

    الألم والأمل.. مفردتان متشابهتان في الأحرف مختلفتان في المعنى
    والحياة “بين الألم والأمل” تمضي، لكن..؟ وبرفقة “الحب” يتحول الألم أملا والمر حلوًا.

    حفظكما الله أستاذ إبراهيم والدكتور محمد وأدام المودة والوصال بينكما، أنتما نبراس الوفاء والعطاء.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *