مشتاقة تسعى إلى مشتاق

 

 

 

مشتاقة تسعى إلى مشتاق*

مقاييس غير إقليدية

أحمد شبيب دياب – لبنان

Les BaRons d'Comptoirs - Ivresse mystique Omar Ibn Al-Farid a mené toute sa  vie en ermite sur les falaises cairotes du Muqattam où son tombeau est  vénéré. Surnommé le Sultan des Amoureux (

لكلّ فرقةٍ من فرق الصوفية طريقةٌ مختلفة يأخذها المريد عن الشيخ، وتهدف جميع هذه الطرق إلى الوصول للسعادة الأبدية من​​ خلال سلوك طريق الحبّ والعشق الإلهي.

 

في طريقتي، يختفي الصوفي عن عيون الناس، وينشد العزلة والوحدة في رحلة العشق.

 

المتعبّد الصادق المحب لمولاه، لا يتميّز بجلبابٍ أو جبّةٍ، ولا بعلامة سوادٍ أو بياضٍ في عمامته.

 

عرب في ربع قلبي نزلوا *** وأقاموا في السويدا​​ من حشي.

 

بيت من الشعر من قصيدة للصوفية الشاعرة عائشة الباعونية ** في مدح الرسول العربي محمد بن عبد الله. تبدأ الشاعرة المبدعة قصيدتها بشرح ما انطوى عليه قلبها من عشقٍ وشوقٍ وحنين لعربٍ نزلوا في ربع صدرها، وأقاموا في سويداء قلبها، فسلبوا منها عقلها،​​ وانتهكوا صبرها، واستباحوا كيانها فأطلقوا دمعها، ​​ ولكنهم قيدوا بهواهم أسوديّ عينيها عن غيرهم فلم تعد تنظر لسواهم.

 

Dessin Du Visage Mystique De L'oiseau. Structure De Feu. Banque D'Images Et  Photos Libres De Droits. Image 76055103.

 

وهنا أستلهم من وحي الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي*** مقتبسا من وهج أنواره فأقول:

 

في قلبي شوق وحنينْ

​​ لقوافل الصحراءْ،

​​ لصوت الحداءْ،

​​ لطيور مهاجرةٍ ،

​​ تتابع أسفارها في دروب السماءْ،

​​ لمراعي غزلانٍ​​ 

وأديرة رهبانٍ

​​ لمعابد بعيدة تمجّد الحبَّ،

​​ وتعبد الربّ،​​ 

وتواجه الحزن بالرقص والغناءْ.

​​ في قلبي شوقٌ وحنين

​​ لإنجيل متّى ولوقا

​​ لمصحف القرآن​​ 

لبيوتٍ لا زالت تعبد الأوثان

​​ لنجمة الصبحِ​​ 

لمواسم القمح​​ 

لأنغام الدبكة البدوية​​ 

تصدح فيها زغاريد النساء

 

 

 

 

 

أمّا الأدب فتعبير عن خوابي الخمر المعتّق في أقبية أديرة القلب ومعابده السريّة، إنه هدية المحبّ لنفسه ولأحبابه، وهو العطاء بلا مقابل.

 

وليّ الله الحقيقي لا يبحث عن موالين وأتباع ومريدين،

ولا يهتمّ بعالم​​ الدنيا ومتاعها، فلا يبحث عن مديح بسعة علمه، أو ببهاء أدبه، ولا يهتمّ لكثرة محبّيه أو قلّة عددهم، ولا فرق عنده بين علوّ مكانتهم أو انخفاضها.

 

إنّه لمن الخطأ أحياناً، أن نفرض نوعاً من المقاييس والمقارنات

في مجال الفن والشعر والأدب.. حينما ترفع شأناً لأحدهم لتنال من شأن آخر.

مثل هذه المقارنات خطرة ومحرجة، قد تنقل الميزان من كفّة إلى كفّة.

 

فدعك من قِيَمِ هذا القرن وأواخر سابقه

وتعال معي إلى عالمٍ أدبيّ لا زمان فيه ولا مكان، عالم أبعاده ليست كالأبعاد،

لا تشبه ولا تقارب أبعادنا الإقليدية الأربعة المعروفة

ولا​​ تخضع لتراتبية العهر والظلم والتمييز التي تكتنفها

والتي ابتلي بها عصرنا وما زال.

 

تعال معي إلى آفاقٍ خفاقةٍ بالإنسانية المتحررة من المقاييس

التي يقررها ويقدّرها ويضعها حكّام العصر وكبار مترفيه المتسلّطين المستبدين الفاسدين.

الملاحظات:

*الشطر الثاني من مطلع​​ قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي، نظمها في آواخر شهر رمضان ويقول فيها:

رمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي**** مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ

 

**هي عائشة بنت يوسف الباعوني، ولدت في دمشق وتوفيت فيها في شهر كانون الأوّل من سنة 1516 للميلاد. وهي شاعرة أديبة فقيهة، عاشت في دمشق ودرست في القاهرة. كان والدها يوسف قاضياً في صفد وطرابلس و حلب ودمشق، واشتهر خلال القرن الخامس عشر كأحد العلماء والشعراء ​​ والفقهاء.

***هو محيى الدين محمد بن على بن محمد بن عربي الحاتمى الطائى الأندلسى. أشهر المتصوفين، لقبه أتباعه وغيرهم من الصوفيين​​ بـ"الشيخ الأكبر", ولد في مرسيه في الأندلس سنة 1164 و توفى في دمشق سنة 1240 ودفن في سفح جبل قاسيون. تزيد مؤلفات ابن عربي على 800 مجلداً في الشعر والفلسفة والفقه، ولم يبقَ لنا منها اليوم أكثر من 100. ولم يقتصر تأثير تعاليم هذا الشاعر الصوفي على العالم العربي​​ فحسب، بل انتشرت كتاباته حول العالم وتُرجمت إلى اللغات الفارسية والتركية والأزدية.

 

 

 

للمشاركة

أحمد شبيب دياب

أستاذ في الجامعة اللبنانية - متقاعد

Read Previous

“مائة وش”

Read Next

خُطُواتٌ فوقَ جسدِ الصّحراءِ

7 Comments

  • قَمَرٌ بِلَيْلٍ أَرْخَى سُدُولَهُ وَالنُّجُومُ
    كَأَنَّهَا دُرَرٌ من خَيْمَةٍ تَسْقُطُ
    إِنْ رَأَيْتَ جَبِينَهَا كَأَنَّمَا رَأَيْتَ قَمَرَا
    فَإِنْ نَزلَتْ كَأَنَّمَا نُورُ شِهَابٍ يَهْبِطُ
    أَنَخْتُ رَوَاحِلِي وَالْوَجْدُ مِنِّيِّ مُشْفِقٌ
    عَذْبُ بُكَائِيَّ مِنْ بُؤْسِهَا يَهْمِطُ
    ماهر باكير دلاش

  • شكراً أخي الكريم ماهر باكير
    أبياتك هذه درّة ثمينة زيّنتْ مقالي
    فأغنَته ورَفَعَت من قدره

    • حفظكم الله دكتور أحمد.. وتقبل منكم الشهر الفضيل

  • الصوفية هذه الدرجة من العبادات الخالصة المغرقة
    بالذوبان في الله.. العصية على الناس العاديين
    ليست من المظاهر الخارجية
    بل هي إحساس بالغياب عن الدنيا
    تعقبها نشوة الخمرة والسكر بين يدي الله
    من الصعوبة بلوغها إلاّ من الصفوة النادرة
    في صفاء الروح، صفاء الذات الإلهية نفسها
    حيث تتجاوز الألم وتغرق في بهاء الله

    تسعة وتسعون الأسماء التي أحصيت تمجيدا لله
    غاب عنها المئة، كما ورد على لسان أمين معلوف
    الرقم الصعب الذي يحسم السر”والإيمان المطلق”

    وقعت على كثير مما يعتقده الآخرون نهجا في التصوف
    لكن الصوفية التي أقنعتني
    وفعلت فعلها في قلبي وكياني، قول أحمد رامي

    عـــزة جـــمـــالك فــين من غير ذليل يهواك؟
    وتجيب خضوعي منين ولــــوعتى في هواك؟

    من قصيدة مفعمة بالصوفية والدموع.. بين يدي الحبيب
    والله هو الخلاصة والخلاص.. وهو الملاذ والحبيب

    مودتي د. أحمد أنت “حبيبي” في الله وكل الغلاوة عندي

  • أنت المعلمة والأستاذة يا إيناس. أمّا ما قاله أمين معلوف؟ فلا يندرج في باب الشك واليقين بل من باب الحياد، وهو ينقل بعض معتقدات الآخرين، وربما كان قوله ينطوي على الشك دون إعلان. أحسنت كثيرا مهما يكن الأمر.

    “من البديهي ألا يوجد اسم مئة خبيء يكمل الرقم – التاسع والتسعين – ثمة أحاديث عن النبي، يرفضها بعض أساتذة القانون، ويعتبرها آخرون حقيقة تؤكد وجود اسم فائق. يكفي النطق به لإبعاد كل الأخطار والحصول على آية نعمة من السماء. ويقال إن نوح عرف مضمون الرقم.. ونجا بفضله مع ذويه عندما وقع الطوفان”.

  • في آخر الليل قبل بزوغ الفجر بقليل، يطيب لي.. أو بالأحرى
    يَتَسَنّى لي دخول الروافد.. الموقع الـثقافي المميز بحق
    وسرعان ما أجد نفسي روحاً
    تهيم فوق هضبةٍ خضراء، أشجارها وارفة الظلال
    تتمايل على ضفاف جدول العمر
    يتدفّق حوله الماء العذب الصافي من كل الجهات
    فراشاته تتنقّل، بخفة من زهرةٍ إلى زهرة
    على أنغامٍ بديعة وإيقاع راقصات الباليه
    تتأوّد وتتثنّى أعطافها في بهجة ليالي الأنس في ڤيينا

    وأجد روحي أحيانا تغوص في أعماق المحيطات
    فأرى سحر المخلوقات وقدرة الخالق في عمق البحار
    ثمّ أخرج إلى وجه الماء فأتنفس وقد جُنّت علي عتمة الليل
    فأراني أسبح في مجرات فضاء كوني لا يتوقف عن الاتساع
    أشاهد النجوم وأراقب الكواكب الدرية

    إنه السحر بعينه، يا ناس، فالصديقة الكاتبة إيناس ثابت
    قد تعلّمت حرفة الكتابة وعلم الحروف والأوفاق
    وتآلفت مع قومٍ من الجنّ فأحبوها وهم عن خدمتها لا يتأخرون
    وهكذا فهي تقوم من خلال الأبجدية العربية
    فتتآلف فيما بينها بمفرداتٍ بديعة، وتتشكل بين يديها كالعجين
    ثم ترصفها بمهارةٍ فائقة جملاً وفقرات بيان ودفق مشاعر
    فيجري السحر عليَّ ويجري بلا ريب على موقع الروافد والزوار
    ليروا ما رأيت ويصيبهم ما أصابني.
    فهل هذا الموقع، يا أستاذنا وحبيب قلوبنا،ابراهيم يوسف
    قد أنشأته لتمارس السحر على قلوبنا؟ وما علاقة السحر بالثقافة؟

    خالص تحياتي ومحبتي للصديقة المتألّقة والكاتبة المبدعة إيناس ثابت

  • على كعبها أو بتعبير آخر
    “دق الحديد.. وْهُوَّا حامي”

    “تعالي مرة في البال
    يا أُختاه!
    إن أواخر الليلِ
    تعرّيني من الألوان و الظلّ
    و تحميني من الذل!
    و في عينيك، يا قمري القديم
    يشدُّني أصلي
    إلى إغفاءةٍ زرقاء
    تحت الشمس.. و النخلِ
    بعيداً عن دجى المنفى..
    قريبا من حمى أهلي”

    محمود درويش

    “هايم على دنياه زي الضحى والليل؛ حتى ينتهي إلى القول: وعشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فانى”.
    العالم الذي توخيتَه يا صديقي حيث ينعدم المكان والزمان، ليس إلاّ عالم الأرواح الخالصة. والروح كما علمتني مرة وآمنت بما علمتني، لا تتعدى “ميكانيسم” الحركة، التي تتقمص الجسد فتدجنه وتستبد به حتى تفارقه.

    ولئن كان ينبغي أن نقدس شيئا؟ فليس أجدى من الجسد نقدسه؛ حرصا على ديمومة التناسل والنوع. ولا أحسبك قلت ما قلت عن الخمرة والانعتاق، والباعونية ومحي الدين بن عربي، إلا بفعل النشوة الآتية إليك من “بوردو” أو “التوسكانا”.

    ألمّ على أبيات ليلى بي الهوى* فلم يشفني منها جوار ولا قرب. لو تلمس طريقه إلى مخدعها؟ لشفي من الجنون.
    وَخَبَزْتَ له في الفرح.

    مهما يكن الأمر ومن أجل الأخوة بيننا؟ ينبغي أن تنقذني من متاهتي فأنت مرشدي وشيخي وأنا من مريديك. فلتحسم هذه المسألة كرمالي لأطمئن على آخرتي ، لكنني لن أرضى برهانا بغير الاستناد إلى اختصاصك الموثوق.

Leave a Reply to ابراهيم يوسف Cancel reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *