مقال/ استغاثة إنسانية!
- قتل الإنسانية.. جريمة "في عزّ النهار"!
نورا محمد
لا تُقاس الإنسانية بالكلمات؛ بل بمعناها الأعمق من مجرد حروف تتراصف بجانب بعضها البعض، لتخرج بما هو أقل من قيمتها العظيمة، ومن اعتقد أنها تقتصر على القول دون الفعل..؟ فهو من المخدوعين في مفهوم الوجود.
اليوم وفي زمن متقدم من رقيّ البشرية؛ تأخرنا!؟ نعم تأخرنا ولكن لم يكن التأخير في مظاهر التكنولوجيا أو الفنون بمختلف أشكالها، بل كارثة اليوم إنما أصابتنا في مقتل! فالضحية تخبطت ذبيحة في دمها دون أن ينقذها شهم من المارة، حينما سُفِكَ دم فتاة في عُمر الزهور، فلم ينتشلها من أنياب القاتل مندفع أو شجاع. قتلٌ علنيّ على مرأى ومسمع من الناس، ممن انصدموا فَقَيَّدَهُم وشلّهم هول المشهد! والقتل لم يكن المرة الأولى من نوعه، فقد تكرر الفعل خلال السنوات الأخيرة في مختلف البلاد العربية. لكن ماذا لو لم تكن ضحية اليوم من لحم ودم.. كالعادة!؟
القتيلة اليوم هي الإنسانية بعينها، التي تستحق أن نُقيم على روحها مأتماً، ونشق الثياب حزنًا على غيابها عن دُنيانا، عندما لم تعلن عن موعد رحيلها فتوارت مع الريح، هربا من جرم التعاطي معها والاستهانة بحياة وأخلاق البشر.
فكيف تفنّن السفّاح في قتلها؟ وما هو سلاح الجريمة الذي طعن به الحياة الطعنة النجلاء؟ وهل هو بالقوة الكافية الكفيلة بأن تزهق روحا في رمشة عين سريعة كالرصاصة؟ أم "ساطور" مخيف شق صدرها وانتشل روحها بعنف في غفلة من الزمن؟ أم أنه سلاح سري لم نعرفه من قبل، ولن يخرج للنور بعد جريمته المكتملة الوصف؟
الحق يا سادة يا كرام أن السلاح الملطخ بدمها الطاهر.. نحمله جميعا؛ بل هي فرد من أسرنا المفجوعة، والعواقب الوخيمة التي نجني ثمارها اليوم؟ إن هي إلا مأساة لا استفاقة منها إلا بعد دمار شامل لهذا المجتمعات!
والقسوة؛ في التقاط صورة مروعة لتلك اللحظات الرهيبة، حتى أن التواصل "الاجتماعي" توقف على اللحظة، وأمسى عنوانها الأول والأخير.! بكل الحزن والأسى سلب المجرم منا الحياة وتمكن من قتل آخر ما نملكه.. الرحمة.
- "الموبايل" .. ثقافة عصر أم لهاث يسعى وراء السبق و"التريند"؟
لا يجوز التقليل أو الاستهانة بقيمة "وخطورة" هذا الاختراع المذهل؛ بل إن خدماته جليلة لا مثيل لها عندما اختصر المسافات وعبر القارات نتيجة التطور الهائل ووسائل النقل، ليتواصل العالم وينفتح على بعضه البعض بلا حواجز.
أما من استحكمتت الغربة فيهم بعيدًا عن ذويهم لسنوات؟ فقد شكّل التواصل هدفا نبيلا. لكن البعض سخَّره للربح والشهرة وإن كان "على قفا الناس"! بلا مؤاخذة، أو على حساب أي شيء ولو تسبب بأحزان غيره وفَطْرِ قلوبِهم.
هذا الفتح العظيم بلغ بالإنسانية أعلى مراتب التطور والارتقاء، وفتح أفاقًا جديدة تمخض عنها اختصار المسافات إلى عوالم التكنولوجيا المدهشة. حرره من قيود الجهل ومنحه وسام العالمية ولم يتخطَ "عتبة الدار"، لكن الإنسان تحول إلى خدمة الآلة، وكان الهدف منها أن تخدمه لا أن يخدمها. تغيّر الحال ليتوقف على كبسة زر ليس إلاّ.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تابع العالم الحادثة الأليمة الأخيرة، التي راحت ضحيتها الطالبة المصرية، فيما عُرف إعلاميًا بجريمة طالبة جامعة المنصورة، ولم تجف العيون حتى كتابة هذه الكلمات حزنًا وألمًا على مصيرها القاسي، فقلوبنا الْتحمت مع قلوب الأسرة المفجوعة، وأحبّتها في محاولة للتعزية والمساندة وإن كانت محاولة محدودة لم تشفِ القلب الجريح، ولكننا في متابعتنا للحدث لم تغب عن أعيننا الصورة والسؤال التالي:
ما الذي يدفع هؤلاء "الموكّلون بنقل الخبر" إلى هذا الفعل الملتبس المسيء؟ من جانبي على الأقل لا أجده يمت للشهامة ومراعاة الإنسانية بصلة؟!
- "كفاية حرام عليكم!!".. اعتبارات إنسانية تتلاشى أمام "فلاش" الكاميرات
الكاميرات مسلطة على الأسرة في كل مكان من أرض المدفن، ثم تنتقل إلى منزل الضحية، داخل غرفة نومها وعلى السرير الخاص بها! وأنّى اتجه رب الأسرة بنظره إلى اليمين أو اليسار؟ يجد الكاميرا تسبقه لتسجيل عمق نظرته وحزن عينيه، وإن قيض الدخول إلى عقله لتسجيل أفكاره؟ فلن يكون الأمر مستحيلًا أمام المحرر من استباح حُرمه اللحظة، وتخلى عن إنسانيته لأجل السبق الصحفي.. أو كسب علاوة لصالحه، أمام رئيس التحرير في العمل!
هل وصلنا إلى هذا الدرك من "البَغي" في نقل المعلومة؟ وهذا المستوى من اللامبالاة حيال من يعتصره الألم ويعبث به عذاب لا يستحقه البشر! أكتب كلماتي ونفسي مثقلة بالرفض والألم على رثاثة حالنا، فقد سقطنا في وحل "التريند"! وكأن كل ما يهمنا هو أن نخرج فقط من مسرح الجريمة بتصريحات من أهل الضحية، لنصعد على كتفه المكسورة ونتفاخر بعملنا الشاق ومهنيتنا التي "لامثيل لها"، ومن ثم تسلط علينا الكاميرات لنتصدر الصحف، بناء على نتيجة في كلمة خرجت من أفواه الأسرة المسكينة، التي لا تعي ما تقول وقد ذبحت ابنتها في وضح النهار!
- القصاص من أصحاب اللامبدأ .. مطلب إنساني عام في المقام الأول
إلى متى؟!
إن كنا ننتظر حكم المحكمة العادلة لاخماد ثورة الأسرة المشتعلة؟ فنحن أيضًا ننتظر قصاصاَ عادلاَ من عديمي الرحمة أصحاب التطفل على لحظات الحزن والألم، لكي تعود المهنة لأخلاقياتها التي افتقرت لها لسنواتِ عديدة، لكي يعود الإنسان إلى صوابه، إلى رفقه بغيره، وأن تختفي الدموع من عيون الأسر "المطحونة" بحزنها ومطالبها البسيطة بمنحهم خصوصية الوقت، وقليلاً من الرأفة بمصابهم، أن يُسمح لهم بالتأوه والصراخ تحقيقًا لبشريتهم.
إن كانت الشهرة تستحق السباق، فالإنسانية تستحق أن يضحي الإنسان بروحه من أجلها.. ولتذهب الكاميرات ومشغِّلوها إلى الجحيم.
One Comment
بعض الدواعي أخّرتْ نشر الموضوع
لكن مضمونه لا يغيب مع التأخير عن الحضور
مهما يكن الأمر ..؟ شكرا على المشاركة
خالص مودتي وتقديري للكاتبة اللماحة نورة
Comments are closed.