لم تعد تؤلم.. وتجدي..؟

 

 

لم تعد تؤلم.. وتجدي..؟

إبراهيم يوسف​​ ​​ لبنان

 

"نظمت حملة واسعة للبحث عن مصدر الرسائل

​​ شعر الجميع بصعوبة المهمة الجديدة

فالرسالة الغامضة والجهة الموجهة إليها مهمة

​​ رئيس المجلس البلدي، برلماني

​​ رئيس حزب، مدير مؤسسة

​​ رجل أعمال، نقابي كبير وزير مهم

​​ عميل محلي، مقدم ، مثقف أكاديمي رسمي معروف

​​ مسؤول رياضي كبير، رجل سلطة من الوزن الثقيل"

 

​​ في التعقيب​​ 

على​​ "وسطى الأباخس"

للكاتب​​ من المغرب

الأستاذ​​ عبد الجليل لعميري

 

مصطلح​​ يستحق​​ أن يتحول إلى قَضِيَّة

​​ بمستوى​​ "الأمم​​ المنكودة"..!

 

نتيجة بحث الصور عن مهارة الأصابع

 

كانت​​ ولا زالت​​ وسطى الأباخس، تتمتع ​​ بدلالة تتجاوز الوظيفة العضوية، إلى معان ثقافية وأخلاقية وعاطفية أيضا، ومنها الإشارات المعيبة التي تختلف باختلاف ثقافات الشعوب. وهكذا​​ فإن إشهار وسطى الأصابع في وجوه الآخرين يحمل معنى الشتيمة غير اللفظية، ولا ينوب عنه في الإشارة والوقاحة أي من الأصابع الأخرى.

 

أطلق عليه الفرنسيون:​​ ​​ Le doigt d,honneur​​ ويرتبط​​ المعنى​​ بشرف​​ رفيع​​ لا​​ يسلم من الأذى​​ حتى يراق على جوانبه الدم​​ في قناعة المتنبي، وبعض​​ الرؤوس الحامية من أبناء الأرياف،. والإشارة​​ التي يتولاها​​ الإصبع المنكود؟​​ ليست​​ إلاّ من​​ أساليب​​ التحقير​​ أو​​ الدفاع​​ عن​​ النفس. وأما​​ في اليونان فهناك من رفع وسطى أباخسه في وجه سقراط، تهكما عليه بسبب​​ قصيدة شعرية.​​ وعلاوة عن معنى​​ الحركة​​ وتحقير الآخرين​​ في بعض البلدان؟​​ فإنها​​ جنحة​​ يحاسب عليها​​ القانون. وفي الثقافة الرومانية​​ فقد​​ احتفظ​​ الإصبع​​ المشبوه​​ بالمعاني الجنسية الفاحشة.​​ 

 

ويُعتبرُ​​ استخدام​​ الإصبع​​ على هذا النحو، سوأة توحي​​ بالدلالة​​ الجنسية،​​ وفي بعض​​ الروايات​​ فإن معركة وقعت​​ في الحرب​​ بين​​ الإنكليز​​ والفرنسيين،​​ حينما​​ كان الفرنسيون يطلقون سراح رماة النِّبال الأسرى​​ من الإنكليز،​​ بعد أن​​ ​​ يبتروا من أصابعهم​​ السبابة​​ والوسطى​​ والإبهام، ليعطلوا​​ مشاركتهم في معارك أخرى.​​ ولمّا خسر الفرنسيون​​ معركتهم​​ كما لم يتوقعوا..؟​​ راح​​ الإنكليز​​ ممن سلمت أصابعهم،​​ يشهرون وسطى أباخسهم​​ في​​ وجه الفرنسيين.

 

لكن​​ علاقة​​ المودة​​ القائمة​​ على الخبز والملح..؟​​ تلاشت بين سائر العرب للأسف الشديد، وتعززت بين الدول الأوروبية بعد الحرب الثانية، فتحولت بعد الدماء الغزيرة التي أُريقَتْ، إلى نهضة شاملة في وقت قياسيٍّ قصير.​​ 

 

ومن​​ الأهمية​​ التنويه​​ قبل​​ هذا وذاك​​ أن​​ معظم​​ حضارة البشر،​​ تعتمد​​ بصورة رئيسة​​ على​​ براعة​​ الإبهام، يعاونه​​ بقية​​ الأصابع​​ في​​ إنجازات​​ عموم أنواع​​ الهندسة،​​ وفي​​ غزو الفضاء​​ واكتشاف​​ أعماق المحيطات،​​ ومختلف​​ المهارات اليدوية​​ من​​ أدوات الجراحة​​ والمسبار،​​ واختراع​​ الساعة والحاسوب​​ وصرعة العصر​​ في​​ الهاتف النّقال.​​ 

 

ناهيك عن​​ استخدام​​ آلآت​​ الصناعة​​ والزراعة،​​ وأدوات​​ الكتابة والرسم والعزف​​ والزخرفة،​​ وحاجة الأصابع​​ في​​ التعبيرعن الوداعة​​ وملاطفة​​ الشعر والوجنات،​​ وصناعة العطور وابتكار​​ أزياء​​ النساء،​​ والحب والتحرش الجنسي​​ والخلاعة وملامسة​​ الأرداف.​​ وفي​​ الطعام​​ والشراب​​ وسائر​​ الدّواعي​​ التي​​ تعتمد​​ أولاً وأخيراً​​ على​​ مهارة​​ الإبهام.​​ 

 

​​ إلاَّ​​ في حالات:​​ الخسة​​ والوضاعة​​ والإحباط​​ والغيبة​​ والثأر​​ وقلة الحيلة؛​​ والحياء.​​ والعجز في النّيل من​​ الأوغاد،​​ كالمستبدين الفاسدين من أولي​​ الأمر​​ عندنا؟​​ فوحدها وسطى الأباخس​​ تفي بالغرض،​​ وتقوم​​ بالواجب​​ وأكثر.​​ 

​​ 

هكذا​​ قرأت معظم المجموعة القصصية، التي تكرَّم مشكورا بإرسالها إليّ​​ كاتبُها الأخ​​ الصديق​​ عبد الجليل لعميري من المغرب، واستأذنته بنشر مقتطفات منها​​ بعدما نُشِرَت "الكولية" إحدى​​ قصص​​ المجموعة، ولاقت إقبالا​​ ملحوظا من القراءة​​ في التعقيب​​ والإعجاب. ولعلّ​​ الدّار التي تولت طباعة​​ ونشر​​ المجموعة​​ القصصية،​​ عرقلت عليّ​​ مرة أخرى نسخ ​​ بعض​​ المضمون؟ ربما​​ كتدبير احترازيّ​​ في الحفاظ على حقوق​​ عوائد​​ الدار​​ في النشر.

 

مهما يكن الأمر؛ فعندما​​ تمنَّيت​​ على​​ الصديق​​ الكاتب​​ أن يتكرّم عليّ​​ ويزودني​​ "بوسطى الأباخس"..؟​​ ما اخترتُه للمرة الثانية من المجموعة القصصية​​ للنشر..؟​​ ضحك مني​​ وتعجّب من طلبي،​​ دون أن ​​ تبدو عليه​​ إمارات الهزء​​ والاستخفاف​​ وأجابني: اللعنة على الشيطان؟ معاذ الله أن أفعل!​​ فما تقولُه يا صديقي عيبٌ عليّ..​​ وعارٌ بحقي.

 

لكن ليس​​ من​​ حنكة​​ راشد​​ أو حكيم​​ أن يعلن عداءه للشيطان!​​ ما دامت الغلَبة​​ محسومة​​ في​​ النهاية للفطنة والدّهاء.​​ فلماذا​​ نمعن​​ في التّجني​​ والتحريض،​​ على​​ شيطان​​ نستدعي​​ عداوته​​ ​​ في كل حين!؟ فنلعنه​​ في السر والعلن​​ عندما​​ نكفر​​ أو نصلي،​​ وحينما​​ نخطىء أو نصيب!​​ والشيطان​​ متأهب​​ ليغرّر بنا​​ ويورطنا،​​ في​​ العبث بالسلاح​​ القاتل في​​ وسطى الأباخس،​​ للتفريج​​ عن​​ كربة مستحكمة، أو​​ "فشة خلق"​​ كما نقول في​​ محلياتنا؛​​ فلا تتعدى​​ مفاعيلها​​ من بعض الزوايا​​ أوهام​​ القصور​​ العالية​​ في إسبانيا..؟ يهون بناؤها ويصعب هدمها كما يقول​​ المثل​​ الفرنسي.​​ 

 

وتبقى​​ سياسة وسطى الأباخس​​ في اعتقادي​​ تحاكي​​ من بعض الجوانب:​​ "​​ قوم فوت نام، وصير حلام"،​​ إنو بلدنا​​ صارت​​ بلد..!"​​ بتعبير زياد الرحباني​​ المبدع​​ والفنان​​ الموهوب،​​ ممن لا يعجبهم​​ العجب ولا الصوم في رجب..!​​ 

 

وهكذا؛​​ فوسطى​​ هذه الأباخس لم تعد فاعلة​​ في​​ وجه العموم،​​ ولم تعد​​ مفيدة أو​​ مجدية​​ في التأثير على​​ من "تَمْسَحَتْ" جلودهم​​ من​​ الطغمة​​ السياسية،​​ وزمرة​​ الحاكمين​​ الفاسدين ممن يستبدون،​​ بالمغلوب على أمورهم من​​ العباد​​ وسائر​​ أبناء البلاد،​​ لكثرة ما تلقاه​​ أولئك​​ الساقطون​​ من​​ شتائمنا​​ "ولُعابِنا"​​ يغرق​​ وجوههم​​ كالأمطار!​​ ​​ 

 

حتى​​ بلغت​​ وسطى​​ الأباخس،​​ نيويورك ولاهاي​​ "وعَجْز"​​ الأمم المتحدة!​​ فهل يعجبك​​ يا صديقي كيف​​ غَزَتْ​​ وسطى أباخسك​​ الأرض​​ وعَمَّتْ​​ مساحة الكوكب..!؟​​ فنالت من المرجعيات والرموز​​ "الإنسانية"،​​ التي​​ تداجي​​ أمام الدول​​ المستكبِرة،​​ وتتواطأ​​ مع​​ ​​ بيريز​​ مرتكب مجزرة قانا​​ -​​ المسيح..!​​ على تزوير​​ التاريخ​​ للحصول على​​ جائزة​​ نوبل​​ للسلام!​​ وهكذا​​ يا صاحبي​​ اقتصر مفعول​​ وسطى الأباخس،​​ على​​ الجبن​​ والتَّقيَّة والتَّشفي​​ بإهانة​​ الأمم المستبدّة.

 

ولئن كانتِ​​ البَعْصَة​​ بتعبير أهل الشام،​​ أو​​ كان تسديد​​ سلاح وسطى الأباخس وإطلاقها​​ نحو​​ الهدف،​​ إشارة​​ مهينة​​ تفش الخلق​​ بالعجز والتواكل،​​ وتجبر خاطر​​ المُسْتَضعفين​​ في الأرض-​​ سامحني على وضاعتي في استخدام​​ بعصة​​ هذا المصطلح السوقيّ المُبتذَل-​​ فإنها​​ لم تعد تؤلم وتجدي​​ ولا تعيد​​ ولو بالرسم​​ على السبورة؛​​ حذاء​​ الأستاذ اليمني​​ الحافي!​​ وصار لازم​​ بتعبير​​ المثل الشامي،​​ نفتش عن​​ تدابير جديدة​​ ووسائل​​ بديلة​​ "ونخيِّط بغير هالمسلّة".​​ 

 

https://www.youtube.com/watch?v=hz5r2pqO7Eo

 

 

 

 

 

للمشاركة

ابراهيم يوسف

Read Previous

ووَحْشَةُ العُمْرِ الطَّويلْ Le parfum du temps

Read Next

يد الحكاية

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *