هلاّ رحمتِ مُتَيّماً..؟

​​ ​​ 

هلاّ رحمتِ​​ مُتَيّماً..؟

 

أعدَّتها للنشر​​ 

سوسن يوسف

 

C:\Users\ibrah\OneDrive\Desktop\مجنون.jpg

 

لو كان قلبي معي؟​​ ما اخترت غيركم"

ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا

لكنّه راغب في مَن يعذِّبه

وليس يقبل لا لوماً ولا عذلا"

 

​​ يقال والعهدة دائما على الراوي، إن إدريس محمد جمّاع الشاعر​​ السوداني،​​ كان​​ ﻘﺪ​​ فقد عقله​​ ﻓﻲ آﺧﺮ ﺃﻳﺎمه،​​ ﻭﺩﺧﻞ مشفى​​ للأمراض العقلية.​​ لكن​​ ﺃﻫﻠﻪ​​ أملوا​​ ﺃﻥ​​ يشفى لو عالجوه​​ ﺨﺎﺭﺝ​​ البلاد.

 

ﻭإذ رأى​​ سيدة​​ جميلة​​ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ برفقة زوجها؟ دنا منها​​ وأﻃﺎﻝ​​ ﺇﻟﻴﻬﺎ​​ ﺍﻟﻨﻈﺮ​​ وزوجها يشعر ​​ بالغيرة​​ والغضب​​ ويحاول​​ إبعاد​​ زوجته،​​ ليمنع​​ هذا​​ المتطفل من النظر إليها، لكن الشاعر​​ أﻧﺸﺪ:​​ 

 

أعلى الجمالِ​​ تغارُ​​ منّا

ماذا عليكَ​​ إذا نظرْنا

هي نظرةٌ​​ تُنسي الوقار

وتسعدُ​​ الروحَ​​ المعنّى

دنيايَ​​ أنتِ​​ وفرحتي

ومُنى الفؤاد إذا تمنّى

أنتِ​​ السماء بدتْ​​ لنا

واستعصَمَتْ​​ بالبعدِ​​ عنّا

هلاّ​​ رحمتِ​​ متيّماً

عصفتْ​​ به الأشواقُ​​ وهنا

وهفتْ​​ به الذكرى​​ فطافَ

مع الدُجى مغنىً​​ فمغنى

هزّته منكِ​​ محاسنٌ

غنّى بها لمّا تغنّى

آنستُ​​ فيكِ​​ قداسةً

ولمستُ​​ إشراقاً وفنّا

ونظرتُ​​ في عينيكِ

آفاقاً وأسراراً ومعنى

 

وعندما سمعها اﻷديب​​ عباس محمود العقاد​​ طيب الله ثراه؟​​ ﺳﺄﻝ ﻋﻦ قائلها فقيل​​ له: إنه الشاعر السوداني​​ ﺇﺩﺭﻳﺲ​​ محمد​​ ﺟﻤَّﺎﻉ،​​ وهو​​ نزيل​​ مشفى للأمراض العقلية؛​​ فقاﻝ​​ العقاد:​​ ﻫذا​​ والله​​ ﻣﻜﺎﻧﻪ​​ الطبيعي، ﻷﻥ​​ مثل​​ ﻫﺬﺍ الكلام ﻻ يحسنه​​ إلا أولي الصبابة،​​ وأصحاب​​ العقل الضائع​​ والقلب السليب.​​ 

 

ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ​​ وصل​​ الشاعر​​ ﺇلى ﻟﻨﺪﻥ​​ ودخل أحد​​ المشافي؟​​ أعجب في المشفى​​ ﺑﻌﻴﻮﻥ​​ بنفسجية​​ لممرضة​​ إنكليزية،​​ فراح​​ يحدق فيها​​ ويطيل​​ ﺍﻟﻨﻈﺮ​​ إلى​​ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ،​​ الأمر الذي أربكها​​ وهي تؤدي واجبها وتقوم على خدمة مريضها. هكذا​​ راحت​​ وأخبرت رئيسها في قسم الأمراض العقلية، فأشار عليها​​ ﺃﻥ ﺗحجب عنه عينيها​​ بنظارة​​ ﺳﻮﺩﺍﺀ..​​ ﻓﻔﻌﻠﺖ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎﺀﺗﻪ​​ من جديد​​ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺟﻤﺎَّﻉ ﻭﺃﻧﺸﺪها:

 

وﺍﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ الغمدِ ﻻ ﺗُﺨشَى مضاربُه

ﻭﺳﻴﻒُ ﻋﻴﻨﻴﻚِ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻦ ﺑﺘّﺎﺭُ

 

سألت الممرضة من يترجم لها ما يقول، وحينما فهمت​​ تأثرت بشدة ونزعت النظارة عن عينيها وتركته يتأملها ما طاب له الهوى.​​ قد​​ ﺻُﻨﻒ​​ هذا​​ ﺍﻟﺒﻴﺖ​​ كأحد​​ أبلغ​​ وأرق​​ شعر​​ في​​ الغزل.​​ 

 

ولو أن ​​ شاعرا مجهول الهوية،​​ ربما كان نصير الدين الطوسي​​ الملقب بالخواجة،​​ كان قد سبقه إلى قول مماثل،​​ ونالت الأبيات شهرة بالغة،​​ بعدما غنتها​​ سفيرتنا​​ إلى النجوم أيام العز المفقود.​​ 

 

يا مَنْ​​ حَوى وردَ​​ الرِّياضِ​​ بخدِّهِ
وحكى قضيبَ​​ الخيزرانِ​​ بقدِّهِ
دعْ​​ عنكَ​​ ذا السيفَ​​ الذي جَرَّدْتَهُ
عيناكَ​​ أمضى من مضاربِ​​ حدِّهِ
كلُّ​​ السيوفِ​​ قواطعٌ​​ إن جُرِّدَتْ
وحسامُ​​ لحظكَ​​ قاطعٌ​​ في غمدِهِ
إن شئتَ​​ تقتُلني فأنتَ​​ مُخَيَّرٌ
من ذا يعارضُ​​ سيِّداً​​ في عَبْدِهِ

 

https://www.youtube.com/watch?v=s3M-M6hQzVY

 

والشاعر صاحب الأبيات​​ المنوه عنها أعلاه..؟​​ هو نفسه صاحب​​ هذه​​ الأبيات​​ الشهيرة:​​ 

 

إن حظي كدٓقيقٍ فوقٓ شوكٍ نثروه

ثم قالوا لِحُفاةٍ يومَ ريحٍ​​ جمعوه

عَظِم الأمرُ عليهم ثم قالوا اتركوه

أن من أشقاهُ ربي كيف أنتم تُسعدوه

 

للمشاركة

ابراهيم يوسف

Read Previous

على قدر أهل العزم.. تأتي العزائم

Read Next

المستمع الوحيد للأمسية الشعرية

2 Comments

  • وحياة عيوني التي لا أقسم بها كذبا أنك يا صديقي إبراهيم تملك ذوقا رفيعا ومميزا في اختيار المواضيع التي يتم نشرها عبر الموقع ……..وتتربع على عرش القلوب

  • شكرا لسوسن على حسن الاختيار
    والشكر لك على ذائقتك الأدبية
    تأخرت بالرد لأنني قضيت أسبوعين في الريف
    وعندما أكون هناك؟
    أهجر الشبكة العنكبوتية
    ولا أتعاطى القراءة والكتابة
    وحتى الأخبار وما يجري من حولي لا أتابعه
    شكرا على مرورك الطيب.. وكوني دوما بخير

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *