“بين الجنّة والنار “

"بين الجنّة والنار​​ "

أحمد شبيب دياب – لبنان

Une image contenant plat, différent

Description générée automatiquement

رسالةُ آخر الليل
​​ لصديقي العزيز الأستاذ إبراهيم يوسف
​​ لعلّها تلقى "برداً وسلاماً" بين يديه​​ 
وتنشر في رياض روافده

أخي وصديقي العزيز

​​ لعلّ الشاعر موسى شعيب، طيّب الله ثراه، كان يعاني الألم والحرقة على أثر نكسة 1967 وهو يقول:

"لمن أكتب ؟​​ 
رفاقي باعة سوقة
​​ يمينيون مرتزقة
​​ يساريون في الورقة
​​ لمن أكتب؟
​​ وحولي تقرض الجرذان ما أكتب​​ ..."

أما أنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، وبعيداً من اليمين واليسار، وهموم السياسة والوطن، وبفضل تكنولوجيا المعلومات، أجد حولي ما شاء الله من الكتّاب والقرّاء المجلّين اللماحين والأصدقاء والأحبة الذين بهم أسعد ولهم أكتب.​​ 

في عصر تكنولوجيا المعلومات، لم يعد للجرذان أن تقرض الشعر أو تأكله، ولا للماعز أن تأكل آياتٍ بيّناتٍ من القرآن الكريم، في بيت أمّ المؤمنين.

ألا تتفق معي، يا صديقي، أنّ هذه التكنولوجيا الرائعة التي ابتكرها الغرب تشكّل خدمةً جليلةَ لنا وللإنسانية جمعاء. ألا ترى معي أيضاَ أنّ العديد من "الفقهاء" و"العلماء" من معممي بلادنا العربية والإسلامية ومشايخها،​​ لا زالوا لغاية يومنا هذا يرددون فتاوى تحتويها كتب الطبعات الحجرية الصفراء، وبعض مخطوطات قرون الإنحطاط المتوالية، بلا تدبّرٍ ولا إدراك.

إحدى هذه الفتاوى تقول، صراحةً، إنه: مهما قدّم القوم في بلاد الغرب، من علمٍ وأدبٍ وفنٍ وتكنولوجيا، تساهم في​​ رفع مستوى الرفاهية والعناية الصحيّة لدى شعوب العالم وفي تطوّر الإنسانية بشكلٍ عام، فمصيرهم جهنّم وبئس المصير، لأنهم "كفّار"​​ و"ملحدون" و"مشركون" وليسوا من المسلمين "الذين أنعم الله عليهم". فالجنة -على ما يقولون يا صديقي، حكرٌ علينا،​​ نحن​​ معشر المسلمين، ندخلها إن أطعنا واتّقينا وكنّا من الصالحين. ولعلّ جهنّم التي تناهت إلى معتقداتنا ومفاهيمنا، أرحم من جهنّم التي نعيشها اليوم أو من الجحيم الذي وعدنا به فخامة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون...

Une image contenant texte, pierre

Description générée automatiquement

أمّا الجنّة التي وَعدَنَا​​ الله بها،
​​ ففيها أنهار من لبنٍ وعسلٍ،​​ 
وفاكهة​​ ولحم طيرٍ​​ وغير ذلك مما لذّ وطاب​​ 
وفيها من حور العين الفاتنات​​ 
ملك لك ..... كما تحبّ وتشتهي،
​​ يتمايلن راقصاتٍ ويغنّين أجمل الأغاني،​​ 
لك وحدك، إذا شئت،
​​ نعم، وفيها​​ ولدانٌ​​ مخلّدون،
​​ يقدّمون لك كأساً​​ كان​​ مزاجها زنجبيلا.​​ 
وفي الجنة أنهارٌ من الخمرة التي قد لا تسكر،​​ 
وقد​​ يكون​​ نوع​​ الرقص والغناء،​​ 
مما​​ تحبّ وترغب،
​​ ممنوعة، في الجنّة أيضاً،
​​ ثمّ أنّك ستبقى فيها إلى الأبد!​​ 
ولست أدري، بعد الأكل والشرب،
​​ وسماع الأغاني،​​ ومشاهدة الراقصات، وممارسة الجنس...
​​ ماذا ستفعل يا صديقي، في جنّة الخلد تلك؟

وتحضرني هنا حكاية من أدبنا الشعبي الجميل، وقد سمعتها​​ مرة​​ من صديقي وزميلي الدكتور سامي حمية، حفظه الله وأطال​​ في​​ عمره، أستاذ مادة التفاضل والتكامل في قسم الرياضيات في الجامعة اللبنانية، وابن برجا البار، البلدة الجميلة من إقليم الخرّوب، بشيبها وشبابها ودماثة معشر أبنائها وسرعة بديهتهم، وبراعتهم في لعب ورق "الشدّة"، وطاولة النرد وغيرها من سائر ألعاب التسلية التقليدية، المعروفة في لبنان وفي عموم بلاد الشام.

Une image contenant personne, assis, plancher, intérieur

Description générée automatiquement

تقول الحكاية:

توفيَّ توفيق أحد أبناء برجا، وكان من الصالحين المتقين الذين لا يغشّون ولا "يزعبرونّ" في لعب ورق​​ "الشدّة". ونتيجةً لحسن سلوكه أدخله الله الجنة وأكرمه بنعيمها الأبدّي. ولمّا كان كلّ​​ يومٍ من أيّام الجنّة كألف سنة مما نعدّ في تقويمنا الهجري المعتمد، أصيب صاحبنا البرجاوي، توفيق، بالملل والضجر، وكان من أهمّ أسباب ملله وضجره أنّه افتقد أصحابه في الدنيا، ممن كانوا يجتمعون معه في السهرات وأحياناً في "الصبحيات" و"العصريات"، على التسلية والتنكيت ولعب الورق والطاولة، في برجا، وقد حشرهم الله جميعاَ في​​ النار لأنهم -على ما يبدو-​​ كانوا يغشّون​​ بلعب ورق الشدّة ولا يلتزمون بقواعده.

ولمّا اضطرم الشوق​​ في​​ قلب​​ توفيق، واستبد به الحنين إلى رفاقه القدامى؟ انتبه أنه من أهل الله، وأنّه في الجنّة، وأن الله، سبحانه وتعالى،​​ لن يخيّب له أملاً في طلب أو رجاء، بل سيكرمه ويحقق له أمنياته، فعزم على زيارة جهنّم ومشاهدة أحبابه ورفاق عمره، هناك، في مأواهم الأخير.

وهكذا طلب توفيق من رئيس فرقة الملائكة المُكَلَّفَة بخدمته أن يدبّج له رسالة استرحام مؤثرة يتقدّم بها، عبر التسلسل الإداري المعمول به في عالم الملكوت، إلى المولى، عزّ وجَل، يشرح بها حاله ويطلب منه تحقيق أمنيته.

لكن رياح المتنبّي لم تجر وفق ما تشتهي سفن توفيق، ففي عالم الآخرة أيضا قوانين مرعية الإجراء يجب احترامها ولا يجوز تجاوزها أبداً. وقد سألت ملائكة توفيق جميع أهل الاختصاص من قضاة ومحامين ومدعين عامين في طلبه الغريب هذا ؟ فأجمعوا أنَّ قوانين الثواب والعقاب، لا تسمح بالانتقال من النعيم إلى الجحيم. ولا توجد هناك طرق أو معابر بين الجنّة والنار على الحدود بينهما، وبالتالي فلا مجال لتهريبه عبرها.

احتار توفيق في أمره وهام على وجهه، يسأل أهل الجنّة عن طريقةٍ للسفر إلى النار أو عن مخرجٍ قانوني يحقق له أمنيته، إلى أن اهتدى إلى داهية السماء، فأشار إليه، هذا الأخير، أن دستور الجنّة يضمن للمقيم فيها حقّ تحسين شروط معيشته ورفع درجته في النعيم. وعليه أن يأتي مصحوباً بأوراقه الثبوتية، ويتقّدّم بطلب العودة إلى الأرض، فيعمل فيها صالحاً، ويمكنه أن يطلب الموت ساعة يشاء، فيحضر ملاك الموت على الفور وينقله من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، فإذا كانت موازين حسناته تزيد على سيّئاته دخل الجنّة من جديد وإلّا دخل النار.

وكانت فكرة داهية السماء التي أوجزها لتوفيق كالتالي: "عليك التقدم بطلب تحسين وضعك المعيشي، وتنزل إلى عالم الدنيا​​ مستخدماً هذه الحجة؛ وفي الأرض​​ بدلاً​​ من أن تعمل صالحاً تعمل طالحاً وتقترف بعض السيئات، ثمّ تطلب الموت، فيحضرك ملاك الموت على الفور، وبما أن موازين سيّئاتك تكون قد رجحت على حسناتك فإنك حتماً ستدخل النار​​ ويتحقق مرادك." اقتنع توفيق بتنفيذ هذه الخطّة المحكمة وطلب العودة إلى الأرض على الفور.

Une image contenant herbe, extérieur, arbre, champ

Description générée automatiquement

ومن عالم النعيم، حملته الملائكة وهبطت به عبر السماوات، فأنزلته في وادٍ يقع بالقرب من إحدى القرى اللبنانية. كان ذلك ظهيرة يومٍ من أيّام شهر نيسان، وصادف مرور امرأةٍ عجوزٍ تحمل غمراً من الحشيش جمعته لنعجتها من ذلك الوادي. فزيّن الشيطان لتوفيق أن يعتدي على هذه الإمرأة، ثمَّ يطلب الموت، فيدخل النار جزاء فعلته المشينة هذه. وهكذا كان، قام هذا الشقيّ باغتصاب العجوز ثم نفض التراب والغبار عن ثيابه واستعجل يطلب الموت. فقبضه ملك الموت​​ بلا​​ تأخير، وأنزله، مباشرةً، في قاعة حساب الثواب والعقاب في عالم الآخرة، وملفه حاضر بين يدي رئيس المحكمة.

تأخرت الجلسة قليلا في دراسة الملفّ. فانتحى توفيق جانباً، يرتشف فنجاناً من قهوة الآخرة، بانتظار صدور الحكم عليه. ولكن، وبعد وقتٍ قليلٍ، أتاه حاجب المحكمة ، مستبشراً يقول له: "مبروك لقد صدرت الموافقة على دخولك الجنة، وهذه بطاقة الدخول". لم يرضَ توفيق باستلام البطاقة، وقال للحاجب: "عُدْ من حيث أتيت، وقل لأصحابك، في لجنة الحساب والعقاب،​​ "لعلّكم أخطأتم في الحساب فتوفيق من أهل النار وقد اقترف جرماً للتوّ قبل موته​​ بقليل".

أخبر الحاجب القضاة بأمر توفيق فأعادوا النظر في ملفّه، وبعد بحثٍ وتدقيق، وحوار بين أعضاء اللجنة، صدر الأمر بدخوله الجنّة من جديد. وحين عاد الحاجب يعطيه بطاقة دخول الجنّة مرّةً أخرى، سأله توفيق: "لماذا لم تحكم المحكمة بدخولي النار وقد اقترفت جرم اغتصاب تلك​​ العجوز؟" فقال له الحاجب: "نعم، كنتَ من أهل النار، ولكن الباري، سبحانه وتعالى، غفر لك لكثرة ما دعت لك تلك العجوز بالصفح والغفران".

Une image contenant texte, extérieur, fumée, voiture piégée

Description générée automatiquement

ما أصاب توفيق في جنان الخلد،
​​ أصابني وأنا حيّ أرزق على وجه الأرض.
​​ لم تعد الجنة لتغريني!​​ 
وأصبحت حينما أرى القوم ممن يلبسون رداء الدين والتقوى،
​​ متميّزين عن غيرهم،
​​ ويَعِدونَ أنفسهم بالجنة،
​​ يصيبني نوعٌ من الانقباض
​​ وذلك لشدّة مللي وقلّة صبري على مجالستهم والتعامل معهم،
​​ فهم نُسَخٌ متشابهة تتكرر أمامك حتى الغثيان.​​ 
مللتهم في الدنيا، فكيف أصحبهم في الآخرة!​​ 
إنه وربّ الكعبة لعذابٌ مُقيمْ.​​ 
وكما صَغُرَت الدنيا في نظري صَغُرَت الآخرة أيضاً،​​ 
وصرت من أزهد الزهّاد.
​​ زهدت في الدنيا وفي الآخرة معاً
أصبحت أبحثُ عن حلٍ ثالث!

لذا تركتُ المنطق الثنائيّ ذا القيمتين صفر وواحد {0،1}، واخترت منطق الفترة المتّصلة غير المتناهية المقادير ما بين الصفر والواحد ] 0،1[ ، فكلّ قضيّة تصل إلى الرأس يحللها الدماغ بناءً على معطياته المختلفة ويعطيك قيمة هذه القضيّة بعددٍ بين الصفر والواحد.​​ في هذا المنطق الاحتمالي الشك موجود دائماً، أمّا اليقين فلا مجال للوصول إليه أبدا.

فبين الجنّة التي توعدون بها والنار التي تخافون دخولها.
​​ توجد عوالم أخرى لست أدري ما هي؟
أمّا مقالاتك، يا صديقي، فقد فتحت لي باباً لأحد تلك العوالم.​​ 
وهو عالم سحري جميل دافئ،​​ 
يستجيب لأطيب الرغبات، ويعيد لك أخصّ الذكريات
.​​ لن​​ أخرج من هذا العالم
​​ "ولسوف يعطيك ربّك فترضى"
​​ وترى من فعلي ومن قولي​​ ما يثير العجب
​​ أو قد يجلب لي مزيدا​​ من اللوم.. والعتب!إ
ن بكيتُ؟ يحق ّلي
"بجلدي أتنفّس
​​ وخيامي السود​​ 
في عينَيَّ وحدي تتكدس*"
​​ إن ضحكتُ فلا بأس عليّ؛
​​ ومن المضحكات ما يقارب المبكيات،​​ 
وشرّ البليّة ما يضحك؟​​ 
هذا وقد داهمني الصباح،​​ 
في عقر داري،
​​ وهجم هجوم الحرس،​​ فأيقظني من حلمي،
​​ وأدخلني عالما تلّذّ فيه القهوة، ويطيب فطور الصباح.

أسعد الله صباحك بكلّ خير.

أحمد شبيب دياب

​​ *من قصيدة للشاعر سليمان العيسى، طيّبَ الله ثراه.

 

للمشاركة

أحمد شبيب دياب

أستاذ في الجامعة اللبنانية - متقاعد

Read Previous

“جريمة أسرية”.. بين محاولات التنشئة السليمة وتهميش حق الأبناء!

Read Next

أنت..وأنا

5 Comments

  • هذه الحكاية القصيرة إن هي إلا تمهيد لرد قريب على حكايتك: بين الجنة والنار
    عنوانه هذه المرة: هَوْنِ الجَنِّي.. وهَوْنِ النّار.. مدّ بساطك…. يا مختار

    والمخاتير عندنا لا يمدُّون بُسْطَهم أمام الوافدين من الضيوف والزوار كما تعرف؟
    لأنهم لا يتقاضون رواتبهم من السلطة
    أتعابهم على الناس… “يسترزقون” كحال رجال الدين المتفرغين للعبادات.. أجرهم على الله
    ومعاشهم من الناس.. يوزعون عليهم الثواب والعقاب.. ويقدِّرون لهم الجنة أو النار

    دعنا الآن من البحث في الجنة النار.. وتجديد الجلود وعذاب مستديم
    فالمؤمنون وحدهم وحسب.. من أصحاب الحظوة والفوز بالجنة
    وما يدور في أفلاكها… بدءاً بالخمر والحور الحسان
    وليس انتهاءً بشتى أنواع المغريات… المسألة برمتها تتوقف عليك

    مهما تكن عليه الأحوال في الجنة أو النار..؟. فتعال معي للحكاية

    إبان الاجتياح الإسرائيلي.. نزحنا من بيروت إلى الريف
    لكننا وجدنا من سبقنا إلى دارنا.. “بيت الضيعة المتداعي” للسقوط
    لم نَدَعِ الواصلين إلى البيت قبلنا يشعرون بقدومنا
    و نحن نتراجع على “رؤوس أصابعنا” وقد أدركنا عن بُعْد أن البيت مسكون
    أقمنا في “المربع” الملحق “ببيت القناطر” القديم قرب النبي ساما

    رحب بنا أيما ترحيب.. أهلنا ممن آل إليهم المنزل فأكرموا وفادتنا
    وأقمنا في “المربّع” بعد فرقة دامت دهرا طويلا
    “من عهد الطفولة حولنا…. تلهو مع الحب الصغير
    أيام كانت للحياة حلاوة الروض المطير ”

    وهكذا لم نشعر بالغربة ولا الحاجة ولو إلى خيط وأبرة
    كانت تصلنا يوما بعد يوم سلة من العنب والتين
    وصحونا مليئة بكل أصناف الطعام الوفير
    يمكن أن تقول إننا إبان الاجتياح ..؟ “عشنا في نعيم”!

    هكذا استقرت أوضاعنا على الفور.. لكن بعد انقضاء أسبوع لا يزيد
    وكنا قد تناولنا طعامنا.. حينما بدأ يطالبنا الأولاد بمشوار لشم الهوا
    ونحن مهجرون في ظل الاجتياح الإسرائيلي!!؟
    لكن..؟ لا شأن للأولاد بما يجري في البلاد من قريب.. أو بعيد

    وكان الأقرب إلى شم الهوا؟ وادي العرايش كما اقترح الجميع
    وقلت في نفسي بدهاء.. وتقتير في المصاريف..؟
    ما دمنا قد تناولنا الطعام؟ سنكتفي في الوادي بالقهوة والبوظة أو العصير

    قبل مدخل الوادي بأمتار لا تزيد كنا نشعر بحرارة الصيف الثقيل
    أمّا وقد اجتزنا أمتارا قليلة وبتنا تحت القنطرة عند المدخل المؤدي إلى الوادي
    حتى شعرنا أن المناخ قد تبدل فجأة إلى طقس منعش كأننا في فصل الربيع

    هذا التبدل المفاجىء في المناخ راق لابنتي الوسطى؟ فراحت
    تتقدم أمتارا فتشعر بالبرودة وتقول: هون الجَنِّي
    ثم تتراجع ذات الأمتار التي تقدمتها، لتشعر بحرارة الصيف وتقول: وهون النار
    هون الجني .. وهون النار.. مدّ بساطك يا مختار””

    مهما يكن من أمري مع الوادي.. وما تلا أيامنا من السوء الفظيع؟
    وما نال الوادي الجميل من التلوث على يد السلطة العاهرة البغية
    فليكن عنوان ردي في النص المقبل: هون الجني .. وهون النار

    المهم أننا اتخذنا لأنفسنا إحدى الطاولات الخالية من الزبائن في مقصف عرّابي
    حيث جلستُ مع زوجتي بينما راح الأولاد إلى مدينة صغيرة للملاهي في الجوار
    فلم يكد ينفد ما معهم من مصروف قليل.. حتى جددنا دعمنا لهم مرة… ومرتين
    بما يوفر لهم مزيدا من المتعة ومزيدا من اللهو والأدوار .. والمصروف
    خاصة الوسطى التي راقت لها.. هون الجني وهون النار.. كل ذلك ونحن مهجرون في وقت الاجتياح

    وحينما نفدت نقودهم عالآخر عادوا جميعا وجلسوا معنا
    وسألتنا “ندى” الوسطى إياها.. بصوت عال وبلا مقدمات: وين الأكل؟!!
    استغربتُ وشعرت بالدهشة والخجل والحرج ممن يجلسون على الطاولة المحاذية
    كما استغربت زوجتي أن تكون ندى قد جاعت…؟!
    ولما يمضِ من الوقت إلاّ بعض أرباع الساعة
    لا تزيد عن مسافة الطريق إلى الوادي.. نصف ساعة على تناولنا الطعام !!!

    وسألتُها هل أنت جائعة “عن صحيح” لأشتري لك سندويش؟
    فأجابتني بالنفي من رأسها وكتفيها.. قلت لها: وعلام تطالبين بالطعام؟
    وردت عليّ بلهجة قاطعة واعتراض لتقول:
    “مش شايف كل اللي حوالينا”يتناولون الطعام ونحن نتفرج عليهم من بعيد
    ألم يَمُتْ همّا من يراقب الناس من بعيد .. أو قريب؟!! سلامة قلبها ندى وقلب ولادك

    سامحني على فظاظتي لو أطلت عليك، وأخبرتك حكاية أخرى عن الوادي
    تعود لأيام المدرسة وكنت “مبحبحا بالمصاري” بفضل “بيّ” الدكتور شوقي
    حينما دعوت تلميذا في الصف كنت أحبه.. لتناول البوظة معي في الوادي

    كانت نافورة مضاءة يتعالى منها الماء الملون ليلا.. تفصل
    طاولتنا عن طاولة أسرة.. تراءى لي يومها أنها خليجية
    كان النادل في طريقه لخدمة الأسرة عندما سألته السيدة الخليجية
    هل مياه البركة نظيفة لأغسل يديّ؟
    لكن النادل لم يجب على سؤال السيدة وهو يرفع كوبا ويدنو من البركة فيملأ الكوب ويشرب
    ثم يتوجه للسيدة بالقول: هذه مياه للشرب من صنين يا سيدتي، طبعا يمكنك أن تغسلي يديك

    بانتظار: هون الجني.. وهون النار… مد بساطك يا مختار..؟ أستودعكم الله
    راجيا دائما أن تعودوا إلينا سالمين وأن نلتقي هذا الصيف ليتواصل الحديث

  • هل القصة بين يمين ويسار.. وجنة ونار؟
    وهل المؤمنون وحدهم من المسلمين لهم الجنة؟
    حسابات الرحمن مختلفة
    قال: لن تدخلوها إلا بالرحمة، فسأله نبيه المصطفى: حتى أنا؟ قال حتى أنت يا رسول الله.
    وأيضا هناك الشفاعة.. فلماذا بدل أن يحاول الذهاب إلى النار لم يلجأ إلى الشفاعة؟
    فمن الله ورحمة الله ومن ساكن الجنة.. تقبل الشفاعة
    عندما يرى عبده حزينا لعدم وجود احبته الى جواره يسأله عما يحزنه؟ فيخبره بشوقه لأصحابه فيأتي بهم إليه ليسعده
    الإيمان أخلاق
    والعبادات أمان للروح
    وطمأنينة للنفس
    جربت أن أعيش بعيدة من الإيمان.. فتعبت وكان القضاء صعباً
    لم أتحمل الظروف التي وضعت فيها
    إن لم يكن الله موجودا..؟ لأوجدناه
    إننا بحاجه إليه
    بحاجة لجنته
    فلنصبر على وعده
    ليأمن القلب ويطئمن

    خالص المحبة لكما الأستاذ أحمد شبيب والصديق الغالي : إبراهيم يوسف

  • دعي الجنة والنار جانبا يا إسراء. وتعالي معي عَوْداً على بدء إلى بعض ما كتبتُه لك عن سيادة العقل إلى أين..؟

    لِمَ لا نتركُ متّسعاً للقلبِ والرجاءْ، ما دامَ الحبُّ يُقيمُ في القلبِ والعقلْ جنباً إلى جنبْ؟ ولئن لم يقُدْنا العقلُ إلى الأمان.. والتسليمِ بأمرِ الله؟ سَيَرمِنا في أحضانِ العذاب والجنون والعدمْ.

    اللهُ سرُّ الجمالِ في الخَلقْ.. وأنتِ المرأةُ يا صديقتي أهمُّ هذه الأسرارْ. دنيا خاليةٌ من الجَمالْ لا يحكمُها ربٌ رحيمْ، بل تديرُها الأنانيةُ والحربُ والبغضاءْ، ويستبدُّ بها الشيطانْ لتُوغلَ في الدّناءةِ والخِسّةِ والحرامْ، والمُنادونَ بسلطةِ العَقلْ دونَ سِواهْ؟ كالمتطرِّفينَ في التّعصُبِ لله أو داعش الشيطانْ.. سواءٌ بسواءْ.

    هؤلاء يُشَوِّهونَ جمالَ الوجودْ ويقتلونَ اللهَ في القلبْ، فيستبيحونَ عِطرَ الزّنابقِ والدِّماءْ، ويُسبِبونَ في الكونِ الفظاعاتْ. الكونُ بلا أله.؟ إنّما هُوَ خِلوٌ مِنَ الشِّعرِ والموسيقى والغِناءْ. ومن صفاءِ البنفسجْ وتَقْوى المحبّةِ والسّلامْ.. كَقِيامةٍ بلا أعراسٍ.. أو كَمَوْتٍ بلا دمعةٍ في العينْ ولا شَهْقةٍ في الفؤادْ.

    كونٌ جافٌ ويابسٌ ومُخيفْ يفتقرُ إلى الرّحمةِ والرّجاءْ، ويخلو مِنَ الحُبْ جدوى وعنوان الحياةْ. اللهُ هُوَ الحّبْ
    “لو لم نجدْهُ عليها؟ لاْخْتَرَعْناهُ” بتعبيرْ نِزارْ.. وبتعبيرْ مُظَفّرْ؟ “تعالَ لبُستانِ السِرّ،ِ أريكَ الرَّبَ على أصغر برعمِ وردٍ، يتضوَّعُ من قدميه الطِّيبُ.. قَدَماهُ ملوَّثتانِ بشوقِ ركوبِ الخيلِ، وتاءُ التأنيثِ على خفّيهِ تذوبُ”.

    لأنتِ واللهِ التّاءُ يا إسراءْ.. مثلُ الحبّ وبرعُمِ الوردِ… ومثلُ مُظَفَّرْ… ونِزارْ. هو الحُبّ توأمُ اللهْ فَلْيَتَمَسَّكِ البشرُ بفكرةِ الإلهْ، وروافِدِ الحياةِ مِنْ وإِلى القلبْ، فلا تغيبُ عن ذواتِهِمْ نَشْوَةُ الرُّوحْ وأنوارُ الكائِناتْ .

    “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ”.

    مساء الخير يا إسْراءْ يا ابنةَ البلدِ الطيّبْ والناسِ الخيِّرين. مساء المَوَدّةِ.. والحُبّ ونورُ اللهِ في القلبِ والعينْ.

  • نقرأ ونسمع عن وصف الجنة وكأنها حلم وخيال وأمنيات جميلة، نعيم أبدي حيث يغتسل قلب واردها من الحقد والضغينة والغل، خلاص من كل تعب ويأس وحرمان، ومكان لقاء الأحباب. بعيدا من الغيبيات والحقيقة التي لا يعلمها إلا خالق الكون وحده وخالق نظامه.. ألا يقودنا كل هذا الوصف لندرك أن الجنة هي كل لحظة طهر وحب وأمل وسعادة وتصالح مع الكون و مع من نحب؟

  • أمّا عن إيماني الشخصي فقد قلت في قصيدةٍ لي بلغتنا المحكية في بلاد الشام وقلبها فلسطين
    “حيّو زماني،
    بكل الخير وافاني
    كفكف دموعي ولملم احزاني
    وقلّي: الوجع بتتحملو معليش
    خلّيك باسم وخلّي احجار الدار فرحاني
    قلّي الزمان اسماع منّي
    خلّي الفرح بي قلبك يغنّي
    جنّة عدن لو اسألت عنها وين
    الجنّي بقلبك وينها الجنّي
    أحمد شبيب دياب

Comments are closed.