تَعِبَ الطينُ … رَحَلَ الطين

 

تَعِبَ​​ الطينُ ... رَحَلَ الطين
​​ في​​ رثاء​​ الشاعر​​ مظفّر​​ النوُاب 

أحمد شبيب دياب​​ 

النواب: القدس عروس عروبتكم

يا​​ شاعر الحُبِّ القاتلِ!
وَيا صَفَاءِ ماءِ الصُبْحِ

أيّها الفارسُ المُظفَّرُ

هِجْرَتُكَ ، مِنْ مَمَالكِ البؤسِ،
​​ نبويّةٌ
​​ على مشارف​​ مدينتك المنوّرة
يستقبلك الشعر
ويفرح بك الغاوونَ من أهله

ولطلعتك​​ من ثَنِيَّات الوداع

أسمعهم ينشدون
مِمَّا لم يقله حسّانْ​​ 
ولم تعرفه قحطانُ ولا عدنانْ

هنيئاً لك نَوْمك العميقْ​​ 
*****

أمّا نَحْنُ فَيا وَيْلاهْ

عُيونُنا في السُجونِ

لَمْ تَعدْ تَرْحَلْ

وقُلوبُنا في الشُجونِ

تَقْتُلُها العِلَلْ

لا تقلق أيُّها الشاعِرُ،
​​ لا تَقْلَقْ

كانَ اللهُ في عَوْنِنا!
نعم
​​ كان اللهُ في عوننا
ولَكِنّهم، سَرَقوهُ مِنّا،

احْتَكَروهُ لَهُمْ،

مَنَعوهُ عَنّا؛

وفي كُلِّ مَعْبد
​​ زَرَعوا سَدَنَة

وعيّنوا كهنة
***
ولكي أقدِّمَ لنفسي واجبَ العزاء​​ 
وبعد أنْ سُدّت بوجهي كلّ المساجد والمعابد​​ 
خرجت إلى كروم العنب والتين
​​ على مشارف فلسطين
وهناك بكت معي زهرة البنفسج
وحمّلتني​​ لروحك​​ السلا م​​ 
قالت لي:​​ 
ألم تعلم باغتيالي وقتلي
​​ وكيف فعلوا بحملة نعشي؟
قلتُ:
نعم يا أختاه نعم
رأيت وسمعت ولم أصدّق
ولكنهم فعلوا وما وَجِلوا​​ 
تبقى البلاد بلادنا
​​ وفلسطين لنا​​ 
والحب لنا والعشق لنا​​ 
سينصرنا الله، يا أختاه،​​ 
حين ننتصر لأنفسنا
*****
تَركتُ​​ زهر البنفسج الحزين
​​ حزيناً وحدي
أبكي حرقة​​ وجدي
" تعب الطين ..
​​ سيرحل هذا الطين قريباً ..
تعب الطين"
أيها الشاعر المهاجر أبداَ​​ 
غداً ألتحق بك،
​​ في يثرب السماء،
​​ فأجدد لك البيعة​​ 
واعلمك، أيها المهاجر،
​​ أنّي قد زهدت بدنياهم

ولا رغبة لي بجنانهم ولا بحور عينهم

ولسوف أتابع تلاوة أشعارك​​ 
وما طاب لي من الشعر

كعبادةٍ يومية

أتقرّب بها​​ إلى​​ الله رب​​ العالمين

******

 

للمشاركة

أحمد شبيب دياب

أستاذ في الجامعة اللبنانية - متقاعد

Read Previous

Dans les bras du vent في مهب الريح

Read Next

!ليس هناك دواء لمحو الذكريات السيئة

2 Comments

  • الدكتور الغالي أحمد شبيب دياب

    “ولسوف أتابع تلاوة أشعارك​​
    وما طاب لي من الشعر
    كعبادةٍ يومية
    أتقرّب بها​​ إلى​​ الله رب​​ العالمين”

    تتشابه العبادة مع الشعر، حينما تكون العبادة ارتقاء الروح عن المادة، وغاية الشعر السعي بالروح نحو الفضيلة والمطلق. والعابد لا يرى في الوجود سوى محبوبه.. وربه الله هو “الكمال المطلق”، وكذلك الشاعر عندما تطرقه القصيدة لا يرى الا صور الكمال فيمن يحب.

    السلام والرحمة على روح الشاعر الكبير مظفر النواب…ستبقى قصائده حية في الذاكرة. كل المودة والإحترام لك دكتور أحمد..دمت بعافية وسلام .. ومحبة خالصة مما يعكرها.

  • تعبَ الطّين.. رحلَ الطّين، وبدا مهموماً مشرَّدَ العينين حزيناً تائهاً في الواقعِ والصُّورة، يشبه لينين في أيامه الأخيرة. ترجَّلَ الفارسُ عن صهوةِ الشِّعر بعدَ دَهرٍ من تِيهِ المنافي، ليحطَّ رحالَه ما بين النهرين في حدائقِ النُّور.

    ليتكَ تمكّنتَ يا صديقي من السّفرِ لأيّام قليلة، وعرَّجتَ إلى “بوردو” فاشتريتَ حاجةً للشاعر، وأنتَ في الطريق إلى العراق لتواكبَ تشييعَ الجنازة المهيبة. ثم دسستَ له تحتَ الكَفَن في غفلة من المشيِّعين وحَفَّارِ القبور؛ قنينةَ الخمرِ من بوردو.. فالليلةُ الأولى موحشة في القبر، و نفسه اكتستْ شجناً وغربة تخيِّم على مشاعرِه في الظلام.

    مظفر.. لن يكون حسابه عسيرا، تكفيه شفاعةً شعرِه في نصرةِ المضطهدين. ليقف مرفوع الرأس أمام الله.

Comments are closed.