الحرامي الصغير و اللحظات المسروقة

الحرامي الصغير و اللحظات المسروقة

le-petit-voleur-dinstants-p29

 

​​ نقلها الى العربية د.عبدالله قاسم يوسف

​​ من إحدى أمثولات القراءة

​​ الفرنسية لابنة أخته ميلا في الليسيه.. المدرسة

​​ العلمانيّة الفرنسية.. في الأشرفيّة​​ ​​ لبنان

 

-1اللحظات المُتعذِّرة

صباحَ السبت من الأسبوع، (حيث لا عمل للأب ولا مدرسة للأطفال)؛ ترك تيو غرفته حاملاً معه كتابه وهو يتوجّه الى أبيه ليطلب منه أن يحكيَ له قصة، فيردّ عليه أبوه:

- لحظة يا عزيزي الصغير تيو؛ أنت تدرك جيداً أنني مشغول​​ اليوم​​ فإليك عني​​ الآن​​ بأختك الكبيرة كي تتولى الأمرعني.

- همهم ​​ الفتى مردّداً في داخله : كنت أدرك جوابك سلفاً. ثم تابع طريقه عبر الرّواق، ليقرع باب غرفة أخته طالباً منها:

- هلاّ قرأتِ لي قصةً​​ يا عزيزتي ليزو؟​​ 

- لحظة ! أنت ترى جيداً يا عزيزي أنني أتابع برنامجاً مسلياً على التلفاز، كم أنت متعِب بقصصك هذه، فإليك عني بأمّك.

Le petit voleur d'instant : Texte 2 p 8 à 13 – École Élémentaire Louise  Michel

في جانب آخر من المنزل، ​​ كان ​​ أرتور، الأرنب الأبيض، ​​ يقضم جزرة اختفت في فمه، بينما كانت تسبح جوجوب، السمكة الحمراء، في وعائها الزجاجي الشفاف.

كما ترون يا أصدقائي. لقد سبق وقلت لكم بأن الجميع ليس لديهم أبداً متسع من الوقت، ​​ فلا تكرروا ما يقوله الآخرون :​​ 

"أنت يا تيو لستَ سعيداً أبداً مع أنه عندك حاسوب، كما لديك مجموعة من الكرات الزجاجية اللماعة الملونة ولديك أيضاً أرنب أبيض، كذلك لديك سمكة حمراء وفيضٌ من كتب منوّعة لم تعد تتسع لها رفوف المكتبة، لتُزجي بها فائض وقتك. كما أنك ترتاد المسبح نهار الأربعاء من كل أسبوع .. فماذا تبغي أكثر من ذلك؟​​ 

هكذا راح تيو يعاين حاسوبه وهو يلهو بالنقرعلى مفاتيح لوحته. ثم ينهض فجأة يبعثر كتبه على السرير ليرتّبها ويحصيها من جديد ​​ وينتقي المفضل منها فيتصفحه.

- حسناً يا أرتور، فأنت تعلم جيداً، وقد غدوتُ ​​ كبيراً، أنني سأكتب قصةً :​​ 

"​​ تيو في بلد العجائب".​​ ففي هذا البلد حتى الأرانب البيضاء ستحظى بفيض من اللحظات تتيح لها أن تقرأ قصصاً للأطفال في النهار كما في الليل، وفي موعد الأخبار، أو لدى الجلوس الى المائدة ​​ وخلال مناسبات الأعياد الأسرية، فتقرأ للأطفال كل ما يخطر في بالهم:

قصصاً ممتعة​​ 

قصصاً مخيفة

قصصاً تدمع لها العيون

قصصاً تبدأ ولا تنتهي أبداً

قصصاً.. قصصاً..

تنهّد تيو...

من ناحيتها توقفت جوجوب، السمكة الحمراء، عن الدوران في وعائها الزجاجي.

سألها تيو: أنت يا جوجوب، هل تعرفين أين يمكننا أن نحظى باللحظات؟​​ 

أجابت فاتحة فمها، لكنّ​​ تيو لم يسمع منها الجواب.

ثم تدافعت أسئلة كثيرة في خاطر تيو:​​ 

- كيف لي أن أوفّر اللحظة التي تحتاجها أمي ؟ كي تتنفس الصعداء؟​​ 

هل نتمكّن من شراء اللحظات؟ هل تتوفر هذه اللحظات ​​ في موزع آليٍّ ما؟​​ 

 

عندها راح تيو يحك رأس أرتور بين أذنيه متمتماً وصفته السرية :​​ 

 ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ "أبرا كادابرا" (تعويذة يونانية سحرية).

وفي تلك اللحظة تفجرت في عقل تيوهذه الفكرة كأنها نور ساطع في العتمة الشديدة : ماذا لو باشر على الفور بالبحث​​ عن تلك اللحظات المفقودة؟ فقد أصبح كبيراً بما يكفي للقيام بالمهمة، لاسيما وأنّ​​ أحداً قال له في مناسبة ميلاده الأخيرة:​​ 

-لقد أصبحت الآن يا تيو غلاماً كبيراً !

في تلك الأثناء عاودت جوجوب، السمكة الحمراء، سباقها وحيدةً داخل وعائها الزجاجي، بينما ثبّت أرتور عينيه ​​ نحو​​ " بلد العجائب".

"أبرا كادبرا"​​ 

حسناً؛ سوف أذهب​​ إلى بلد العجائب؛ صرخ قائلاً تيو. وهكذا انتعل صندل "هرمس" المجنّح حاملاً معه مصروفه من المال ومحفظتُه تتدلى على ظهره بينما قبعتُه ترتاحُ على رأسه، كما حمل إحدى كراته الملونة المفضلة.​​ 

وانطلق الفتى أيّها الأصدقاء نحو مغامرته الموعودة.

 

2. أين هي اللحظات؟

باب المنزل الرئيسي يَصرّ وتيو يفتحُه، بَيْد أن أحداً لم يكن قد سمعه. وسرعان ما وجد نفسه بصندل "هرمس" خفيفاً على الرصيف يغمره نسيم منعش؛ وهنا تراءى له أن رِجليه أصبحتا قويتين بحيث قادتاه مباشرة الى بائع الصحف؛ هناك وجد حشداً من كبارالسن وكلٌ مشغول بأمره، بعضهم يتناول صحيفته دون​​ الالتفات​​ إليها وبعضهم الآخر يتصفح المجلات ومنهم من يتبادلون الكلام منخفضي الرؤوس.

أمام الصندوق وجد صفاً من الزبائن بانتظار أدوارهم، لكنّ أحداً لم يلحظ دخوله لشدة شفافيته، ولأنّ أحداً لم يُعِره اهتماماً فقد راح يتشاغل بحك حنجرته وبسعال مصطنَع يرتفع رويداً رويداً وهو يتحضّر كي يُطلِق العنان لصوته الذي راح ينساب متدحرجاً بين أرجل الكبار المشغولين، ​​ قبل أن يبلغ مسامع موظفة الصندوق.

- صباح الخير، هلاّ بعتِ لي لحظةً يا سيدتي؟

- ماذا؟ أجابته عاملة الصندوق بصوت منخفض كسير.

- من فضلكِ يا سيدتي أريد شراء لحظةٍ لأمي، أجابها تيو!

لكنّ تيو لم يسمع جوابها جيّداً، لأن كلماتها المنزعجة سقطت في أذنيه بكثير من الفوضى المُتعثّرة، فلم يفهم شيئاً سوى أنها لا تملك ضالّته المنشودة.

على الرصيف، استرجعت قدماه حجمهما المعتاد؛ فلم يدرِ حذاؤه أيَّ​​ طريق سيسلك.

و عندها أدرك تيو أنه ليس من السهولة بمكان أن يغدوَ​​ المرءُ​​ كبيراً! فمن ذا الذي سيساعده؟

ماذا لو عثر على دليله في بعض الحصى الصغيرة البيضاء​​ كأثرٍ يُرشده الى مخبأ اللحظات؟​​ أو لربّما تمكن من تسلُّق عمودٍ​​ كهربائي لكي يرصد مكان اللحظات فيكتشفها و تغدو في حوزته؟

 

3- اللحظة المتوفرة المعروضة

وبينما هوعلى هذه الحال فقد لمح تيو في حديقة عامة مجاورة رجلاً يرتاح على أحد مقاعدها.

كان الرجل يقضم قطعةً من الخبز وينثر، مبتسماً، بعض فتاته للعصافير، وعندئذٍ تراءى لتيو أنّ الرَّجُل هناك لا بُدَّ​​ وأنه يعرف أين تكونُ​​ اللحظات.

هكذا راح الرجل ينظر، بعينين ضاحكتين،​​ إلى تيو بينما كان يقترب منه.

- أهلاً بك.. أضائعٌ أنت يا صغيري؟

- لا يا سيّدي؛ إنّما أنا أفتش عن لحظاتٍ، و لكنّني لا أدري أين تكون؟ هل تعرف أنتَ​​ يا سيّدي، أين يمكنني شراؤها؟

فما كان من الرجل إلاّ أن تعالت قهقهاته فأجفلتْ كلّ العصافير مِن حوله حتى طارت.

- ما أغربَه من حديث يا بُنيّ، فاللحظات لا يمكن شِراؤها، إنها تُؤخذ وتُعطى وتُسرَق أيضاً، بل هي الشيء الوحيد الذي يحق لنا أن نسرِقه دون أن نُعرِّض أنفسنا لأيٍّ من المتاعب!

في هذا الحين تبادر​​ إلى ذهن تيو ما كان قد أوصاه به أبوه دائما: لا تتحدث الى الغرباء، أولئك الذين يبدون بمظهرٍ غريب، تماماً مثل ذلك الرجل:

فسِرواله مربوط بخيط دقيق، أما حذاؤه فليس مربوطاً على الإطلاق.

هَمّ تيو بالفرار عندما استوقفه الرجل الغريب قائلاً: انتظر يا صغيري، فلن تنجو​​ بهذه السهولة! قل لي، ما شأنك واللحظات؟

- هي من أجل أمي، حتى تتمكن من التنفس قليلاً.

- حسناً يا ولدي الكبير، اجلس كي أخبرك.

أما عن اللحظات فهي متوفرة في كل مكان. هنالك مثلاً لحظات للعمل، للنوم، للبكاء، للطعام، لمتابعة التلفاز، للضجر ولافتعال المتاعب. كل تلك اللحظات يعرفها الجميع و يمكنك أن تلتقي بسهولة بها. ولكن هنالك لحظات أخرى صامتة كالأسرار وناعمة كالحليب الساخن يرغو فوق العسل، هنالك لحظات لكي ننثر فتات الخبز للعصافير، لكي نتحدث الى الأشجار، لنشكّل كلماتٍ مضحكة​​ أو لنلتقط أنوارالنهار الأخيرة التي تحملنا الى طرقات سيأخذها الليل معه.

- أنا أعرف ذلك، قال متعجّباً تيو، هنالك لحظات للتحدث الى السمكة الحمراء، لكي تكون شاردَ​​ الذهن أو لكي تشخُص بنظرك كالأبله:

وهكذا ابتهج تيو وأدرك أن ذلك السيّد بديعٌ حقاً وليس غريباً ولا مجهولاً. أدرك تيو كذلك أن أباه يمكنه أن يُخطىء أحياناً وأنَّ​​ عليه أن يلفت نظره الى ذلك.

تبسّم عندئذٍ السيدُ العجوز قائلاً: كنت أعلم تماماً أنك​​ إنما كنت تبحث عن تلك اللحظات بالذات.

اسمع، سوف أبوح لك بسِرّي، الأمر في غاية البساطة. لكي تجد اللحظات يكفيك أن تتوقف هنيهةً، أن تنظُر وأن تستمع. إنّ اللحظات المطلوبة تجدها كلّها هنالك، من حولك وهي تقترب منك عندما تكون جاهزاً لالتقاطها.

انظر مثلاً ! ها هي لحظة في طريقها​​ إلينا.

لاحَظ حينئذٍ سَيّارةً صغيرة صفراء تتسلق الرصيف وها هو صوت الشرطي يدوّي:

- أيّتها المرأة، أنت تعرفين جيداً أنه لا يجوز لك الوقوف على الرصيف!

فتردّ عليه من داخل السيارة امرأة بصوت معسول تفوح منها رائحةُ​​ عطرٍ نفّاذ، وتأسُر بذلك رجل الشرطة قلباً وعقلاً:

- سيدي الشرطي، من فضلك لن أتوقف طويلاً..

أرجوك أن تُمهلَني لحظةً، لحظةً صغيرةً وحسب! حرّك رَجُل الشرطة رأسه برفق وفتح فمه كما السمكة جوجوب، ولكنَّ​​ تيو​​ هذه المَرَّة سمع الجواب بوضوح:

- حسناً يا سيدتي الصغيرة، سأسامحك هذه المرة وأمنحك اللحظة المطلوبة!

 

4 اللحظة المسروقة المتقاسَمة

فما كان من تيو​​ إلّا أن تعالت خفقاتُ​​ قلبه في صدره​​ ودفعه حذاؤه​​ إلى أن يُحلِّق عالياً، شاكراً الشرطيّ​​ وهارباً على الفور فوق الأرض، مستولياً على اللحظة وواضعاً​​ إيّاها في قبعته قبل أن تستحوذ عليها صاحبة الصوت العذب. اتجه في حالته تلك سريعاً نحو أمه متجاوزاً سحابةً ملونة من بتلات الزّهور ترتفع بوصة عن أديم الارض.

كذلك حلّق فوق مجاري السواقي كما انحدرالى الشوارع، الى أن توقّفَ مقطوعَ الأنفاس في زاويةٍ من الشارع ونظر الى قبّعته ليجد أنّ كنزه لا يزال في داخلها.

وأمّا في المنزل فقد بقي كل شيء على حاله:​​ 

فوالده كان يكنس بالشافط الآلي، أما أخته ليزو فكانت تتابع التلفاز كما كان القلم يتحكم ​​ بالكتابة في يد أمّه.

- والدتي العزيزة، لقد أحضرت ما يتيح لك أن تلتقطي أنفاسك. أخذ بعد ذلك يرفع القبعة عن رأسه فتخرج اللحظة ثم تبقى قليلاً في المطبخ قبل أن تحطّ على كَتِفيّ​​ أمه وتهمس كلاماً في أذنها.

 

 

http://www.ac-grenoble.fr/ecole/louisemichel.saintjean/wp-content/uploads/2016/01/Le-petit-voleur-dinstants-p3-.jpg

 

يُسمَع حينئذٍ صوتٌ خفيف: تنفّستِ الدفاترُ الصعداء و أمسكتِ الأم بِيدِ تيو، كما خرجت ليزو من غرفتها ووضع الأب الشافط الآلي جانباً.

-​​ أين أنتما ذاهبان أيُّها الشّريكان؟

تبسّمتِ​​ الأم وعلّقتِ اللحظة على باب غرفة تيو.

بعد قليل، وتحت الباب المغلق، اندسّ صوتٌ يقول:​​ 

- كان يا ما كان في قديم الزمان، بلدٌ رائع. وفي هذا البلد كان يعيش أمير وهو أسعدُ الأطفال.

ويوم وِلادتِه قدّم له أبوه الملك مجموعةً رائعةً من اللحظات كان قد ورِثها عن جَدِّ جَدِّه...

 

التعليق على النص

أضافه إبراهيم يوسف

لكنّ الرّجل العجوز ، لم يُشِر قطّ لتيو​​ للأسف​​ ​​ إلى مفعول الزمن ​​ بالساعات والدقائق والثواني واللحظات المتباينة في مشاعر المعاقين، وعجز النّفس البشريّة عند اليأس والإضطراب والوجع​​ والإحباط​​ والمرض الشديد، والعزلة، وحفنات من العقاقير لها طعم مرارة​​ العبور إلى العالم الآخر.

 

قل كلمتك.. لكن تمهّل قليلاً​​ قبل أن تمضيَ​​ بعيداً، فالوقت​​ لم يعد يتّسع لمزيدٍ من​​ المشاحنات​​ والانتظار المضني.​​ 

لا.. ولا تَحدَّثَ​​ ذلك العجوز إلى تيو عمّن أحبَّهم المعاق​​ في حياته​​ حقاً،​​ بلا​​ شرط أو​​ مقابل، وقد​​ اشتاق لهم جميعاً، اشتاق لزياراتهم،​​ لوجوههم المشرقة، للبسمات على ثغورهم، لمعنى الحب في عيونهم وعلى شفاههم وفي خبايا قلوبهم. وإلامَ اشتاق أيضاً؟ اشتاق لأيديهم وأطراف أناملهم​​ تلاطف وجهه وعينيه،​​ اشتاق لأصواتهم ولو عبر الهاتف. لكنَّ​​ بعضهم​​ أنكره​​ ولم يسأل​​ عنه؟ ​​ ولو​​ أن​​ الجميع​​ أحبهم​​ كما​​ أحبّوه بلا شروط.​​ 

​​ لا.. ولم يخبرهم العجوزعن اللحظات الجميلة؛ أو​​ فَلنقُلِ​​ اللحظات السعيدة في كنف​​ الأحبّة من الأولاد والأحفاد والأصدقاء الحاضرين أو​​ الغائبين.

 

لقد قال الرجل المعاق لنفسه مرةً​​ في نصّه عن (الكيوي)​​ في​​ عود الند:​​ https://www.oudnad.net/spip.php?article2860​​ مـجـلـة​​ ثقافية​​ 

 ​​​​ ​​ عندما تنتفي حاجته إلى نصفه الآخر سيرحل..؟ حصل ولم يرحلِ​​ الرجل بعد؛​​ لِيحملَ ​​​​ معه همومه وإعاقته وأحزانه. لكن؟ غداً.. أو ربّما بعد غدٍ يموت الرجل بعيداً من عربته النّقّالة، ​​ وينتهي الحُبّ​​ من قلبه والرغبة في جسده ويتوارى النور من عينيه إلى الأبد فيختفي شَغَفُه بالأفكار "الجميلة". تلك الأفكار التي كانت تؤرِّقه ألّا​​ يعتنيَ​​ جيّداً​​ بصياغتها أو لا يسعفه عمره ووقته ليكتبها كما يبتغي. لكن عندما يرحل الرجل المنكود، فلن يتوانى​​ أحد من المُتردّدين​​ في القيام بواجب التعزية لأهله وأصدقائه وسائر محبّيه من أبناء بلدته. وبعد،​​ لعلّ​​ الجفاء والفرقة والتّخلّي من علامات ظهور مخلّص البشريّة المهدي المنتظر.​​ عجّل الله فرجه وفرجي.​​ ​​ 

ابراهيم يوسف

 

 

 

 

 

 

 

 

للمشاركة

ابراهيم يوسف

Read Previous

من النَّباهة والتماهي.. في ديوان “على حافة الشعر؟

Read Next

أمير وعاشقة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *