رسالة تنتظر الجواب

رسالة تنتظر الجواب

د. أحمد شبيب دياب

رسالة من القلب

​​ إلى صديقٍ طيّب:

رائع أنت يا صديقي

​​ كنور العصر"بين جفنات العنب"

لن أدعك ترحل

​​ فأنا محتاجٌ إليك

هذه المرة،

​​ لن أدعك بعيداً​​ 

لن أخاطبك بكلماتٍ عاطلاتٍ عن العمل

​​ وتعابير قد فقدت نخوتها

لن أرى الدنيا إلّا بعينيّ

​​ ولن أتنفس إلّا من صدري وجلدي

​​ تعبت عيناي من صور الجريدة وأخبار التلفاز

جمعيات الحب والخير والجمال

نساء متبرجات بشفاهٍ منتفخة

​​ يتكلّمن عن القيم وعن الانسان

​​ في الصباح الباكر

​​ تعبت عيناي تعبت أذناي

​​ صارت تؤذيني الكلمات

​​ وأصوات المذيعات

​​ بعض القيّم الانسانية المطلوبة

ولكنها خالية الدسم،

لا تسمن ولا تغني من جوع.

​​ 

أردتَ الهروبَ فهجموا على راتبك،

وسطوا على مدّخراتك،

وقلبوا حياتك وحياتي رأساً على عقب

لم يعد يجديك الهروب،

ولم​​ يبقَ لديك وقت​​ 

للتمتع بشمس الغروب،

فهذه أيضاً قد حجبوها

​​ وحجّبوها

مدينة النحاس

مدينةٌ مشهورةٌ بالآبار

​​ والعطش الكربلائي متمكّن منها.

مدينة كليّات الحقوق

والحقوق ضائعة

​​ في صرح مصرفها المركزي

وقضاؤها المُفْسَد عمداً

مع سبق القصد والتصميم

كيف يمكنك الهروب​​ بعد اليوم؟

أمّا كلماتي

وابن المخيّم

مشرّد مضطهد،

موسوم بالإرهاب

​​ يسجن أو يقتل حين يطالب بوطنه،

لا ليست هذه دعوة ساذجة لأي شئ،

ألم تر قربها من مكامن البكاء

​​ مشاعر صادقة بالحب والأمل،

وغضب "ساطع"،

رفضاً​​ للظلم​​ 

أسقطُّتهُ في كلماتٍ مختصرةٍ:

"أريد وطني ياسادة"

تباً للتاريخ وللأفكار والإيديولوجيا

وللظلم بكافة أنواعه.

إن كنت لا تريد وطنك فدع غيرك في وطنه،

ودعه يطالب بعودة وطنه إليه

وعودته إلى وطنه.

لا تدعه في غربته.

لم يعد وراء كلماتي أي فكرٍ أو قصد،

فهي متكاملة الأبعاد،

لا وراء لها ولا أمام،

هي كما هي.

أتدري​​ يا أستاذي،

وبعد نشر القصيدة

صديق محترم.

​​ أعجبته الكلمات

بادر إلى وضعها مع الصور والموسيقى

أنا يا صديقي أكتب لنفسي،

ولمن يحبّ ما أكتب من أمثالي،

أدعو فقط إلى الحب

​​ وإلى الحب فقط أدعو

لماذا تظنني أتعب نفسي؟

أظنني أتعبك ببعض ما أكتب فاعذرني

ليس هذا بالمقصود.

أمّا السلّم فقد وضعتها جانباً،

وتركت أهل الزوايا المستديرة إلى غير رجعة،

فما هم بحالٍ يحسدون عليها

.

لحياتي، يا صديقي،

​​ مساحة قدّرتها الأقدار،

لا أريدها درباً ضيّقاً طويلاً

​​ تكتنفه الأحزان والآلام أبداً،

بل أسعى لأن تكون مساحة يغمرها الحب،

وتزيّنها​​ الصدفة،

وتبهرها الدهشة

والتحدي

​​ ووقفات العزّ،

كما وصفها أبو الطيب

وعبّر عنها المفكّر السوري

​​ أنطون سعاده

​​ "الحياة وقفة عزٍ فقط"

وكم تذوّقت حلاوتها بنفسي.

.

عذراً منك، يا صديقي،

فأنت القريب من قلوب الأحبة،

المبعد قسراً عن روح القضية،

الهارب، رغما عنه،

​​ مع الكلمات الشاردة،

التائه مع ذكريات الطفولة الرائعة،

وآلام الكهولة،

​​ وإبداعها الباذخ.​​ 

كن أنت نفسك يا صديقي

​​ واطلق عنانها،

فهي فرسٌ أصيل،

في عينيها الدنيا وفي عزمها العزّ.

مع كلّ المحبّة