عن السخرية في عجيبة بيت أبي بشارة

عن السخرية

​​ في​​ عجيبة بيت​​ أبي بشارة

​​ لنبيل عودة

 

ملاحظات سريعة

بقلم: د. افنان القاسم

 

C:\Users\ibrah\OneDrive\Desktop\نقد أدبي.jpg

 

(أولاً) لا مكان للهزل في العالم الساخر "النبيلي"، فالسخرية تبنى بالجاد، منذ الكلمات الأولى حتى الكلمات الأخيرة، الألفاظ لا تنتمي إلى بنية التهكم، والأشياء لا تُعرض على الرغم من غرابتها إلا من خلال علاقاتها الواقعية في بنية الخطاب : "العجيبة" التي تتمثل بالزيت السائل تحت قدمي تمثال السيدة العذراء كعنصر كودي فقط لا غير لا يسعى الكاتب من ورائه إلى الإقناع أو عدمه، إنه يبني عالم عدم الإقناع بأدوات الإقناع، وكأن الموضوع السردي عن "الخارق" يجري بشكل عادي .

 

(ثانيًا) يلجأ المؤلف إلى التحليل في خطابه لأن هدفه كما قلت ليس الإقناع أو عدمه، وهو لهذا السبب لا يركب ظهر المقارنة اللغوية في المفارقة بين حالتين تؤدي إلى الضحك، بل يعرض لموقفين على لسان أبي بشارة قبل "العجيبة" وبعد "العجيبة"، الأخطاء التي ارتكبها، والعذراء التي تسامحه إياها . ذكاء التضمين هنا لا يخفى على القارئ: السخرية في اللغة تبقى خفية على الرغم من ظهورها في الفكرة، إنه لا "يكرتر" (من كاريكاتير) الشخصية، وهي​​ تلمس وتشم وتتذوق الزيت المبارك، التضمين يقوم بفعل كل شيء بدله .

 

(ثالثًا) بالطبع نبيل عودة يهدف إلى السخرية من الخرافات لكنه يفعل ذلك بيد رجل الدراما البارع، تجمُّع أهل البيت بوجل ثم أهل الحارة بفضول والطقوس التي عرضها حول ولتمثال السيدة مريم، إنها العلاقات الإجتماعية في البنية الدينية لهذه العلاقات تحت شكلها العادي في واقعها وغير العادي في عقلنة هذه العلاقات التي هي هدف الكاتب .

 

(رابعًا) يتكلم نبيل عودة عن كلام المجانين والتفكير العاقل الذي أغلقته "العجيبة"، هذا هو مفهوم المفارقة في السخرية لديه، فهو يؤكد ليوحي لا ليجزم، لأنه في هذه المرحلة السردية يريد أن يضع نفسه موضع القارئ، لينتقل بالقارئ إلى المغزى الذي يحدسه، ويدفعه إلى التوقع، فكل المفاجأة تكمن في الخاتمة، وعن طريق العلاقات البنيوية للتوقع يواصل بناء قصته، إنها العلاقات التشكيلية لا العلاقات الذهنية .

 

(خامسًا) تبدأ عملية انتشار تفاصيل "العجيبة" كما يقول الكاتب : إعلام صهيونية أمبريالية، سمير الكافر بخزعبلات السماء، زيارة بيت البركة والتبرك بزيت السيدة العذراء، تلفزيونات مقابلات تلفونات إيميلات مقابلات أخرى، لأن الأطهار والبررة هو ذلك إكرامهم من عند الرب، الإزدحام، الشرطة، التنظيم وباقي وسائل السلطة المسيطرة، الخوري الذي تلقى الأمر في البداية بلا اكتراث، فبيت الرب بيته لا بيت إبي بشارة، أتى هارعًا ليرى العجيبة وليحلم بكرسي المطران، "بل وتحول الحدث، كما يقول نبيل عودة، إلى خبر دولي تتناقله وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وأنه ليس دعاية صهيونية إمبريالية معادية للعرب، أو خبر انتصار وهمي لنظام عربي على العدوان الصهيوني . حتى راديو إسرائيل أذاع الخبر بدون إضافة أو تزوير أو تدخل مقص الرقيب، أو إضافة تجعل العجيبة انجازًا للديمقراطية الإسرائيلية وتنفيذًا لوعود الحكومة في المساواة بين المواطنين العرب واليهود!" الخطاب هنا يخترق واقع العالم والإيديولوجيا والسياسة، كما تقول جوليا كريستيفا.

 

(سادسًا) الفقرة التمثيلية السابقة ستذهب بالعلاقات البنيوية للتوقع إلى نهايتها، بدءًا بالنشاط التجاري للبلد مرورًا بعبقرية استغلال الحدث، وليس انتهاء بقطع القطن المبللة بزيت العذراء مقابل ما يدفعه الحجاج من مال وذهب، هذه العلاقات​​ البنيوية للتوقع التي هي في نفس الوقت العلاقات البنيوية للإبلاغ، عندما تكتشف أم بشارة أن الزيت المقدس ما هو سوى الزيت الذي يحتفظون به في العليَّة .

 

​​ الدكتور​​ أفنان القاسم-​​ أديب، كاتب، شاعر، ناقد ومحاضر جامعي​​ ​​ في​​ باريس.. / الروافد /

 

 

 

 

للمشاركة

Nabil oudeh

نبيل عودة كاتب من فلسطين

Read Previous

عجيبة بيت “أبو بشارة”

Read Next

مملكتي الصّغيرة..!

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *