حمار الحاج مرشد

 

حمار الحاج مرشد

 

بقلم أحمد شبيب دياب

 

Virginie TRABAUD Artiste Peintre | Peinture ane du moulin de vanneau |  Acrylique

 

"لكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ** أَقفَرتِ أَنتِ وَهُنَّ مِنكِ أَواهِلُ"

يطيب لنا نحن أبناء شمس الجبل العودة إليها عن بعدٍ ولو بالتفكير، ولعلّ أيامنا وليالينا التي قضيناها في ربوعها أيّام الصبا​​ لا زالت​​ تشدّنا إليها..​​ فنردّدُ قول أبي الطيب المتنبي:

لِلَّهوِ آوِنَةٌ تَمُرُّ كَأَنَّها ** قُبَلٌ يُزَوَّدُها حَبيبٌ راحِلُ

أبدع كثيرون​​ من أبناء شمس الجبل في شتى مجالات الحياة فتألّقت قرائحهم وإنسانيتهم، وتركوا لنا إرثا وازنا من الثقافة وأحلى الكلام والأفعال في أمور الدنيا والدين،​​ وفي إرساء روح المحبة ومكارم الأخلاق بين ساكنيها.

 

أمّا​​ المثقفون​​ ​​ ووسائل الإعلام هذه الأيّام،​​ ممن يتكلّمون عن الحداثة فهم يغالون​​ "ويبدعون"​​ في تنميق الكلام،​​ واختيار التعابير والألفاظ والمصطلحات ومنها "الزبانية"، وهي مفردة منفِّرة غريبة ليست من قاموس مصطلحاتنا، وتشتق من "زبون"؛​​ وفي المفهوم اللبناني العام، تعني الإثم وتشير إلى العشيق والخيانة الزوجية، عندما يتسلل الزبون ليلتقي بعشيقته تحت جنح الظلام. وليس أقبح من هذا المصطلح إلّا من أطلقه في مقالاته ونشراته. وبين القبح والقحب قرابةٌ لا تخفى على​​ أحد. أمّا​​ في الجانب الآخر المشرق فقد غمرت​​ المحبة والعواطف النبيلة والشريفة​​ أفراحنا بالأغاني والأهازيج.

 

ومن الواحات التي لا يصح إلاّ التوقف عندها، للاستراحة والتزود بالماء في السفر عبر الزمن من وإلى شمس الجبل، أبو مصطفى عبّاس جسّار طيّب الله ثراه، الذي كان يقرأ وينشد ويرتل المدائح النبوية بحق رسول الله، محمد طه الزين سلام الله عليه. في سائر المناسبات، كالزواج والختان وغيرهما، وكنّا نستغلّ تلك المناسبات فنطلب منه قصيدةً غزلية أو بيتاً​​ من العتابا،​​ فلا يبخل علينا​​ ويطربنا بصوته الشجيّ الجميل.

 

كان عارفاً باللغة متمكّناً من معانيها وأداء ألفاظها وحروفها، قويّ النفَس رخيم الصوت وقد ورث أولاده وأحفاده عنه صوته العذب. من هؤلاء؛ المغني الساحر الصوت والأداء وائل جسّار، ممن آلت إليهم بالسليقة عن جده أبي مصطفى هذه الملكة الحرفة. شأنه في ذلك شأن ملحم زين الفتى المهيوب، الذي ورث عن أبيه وجده نعمة الصوت القوي الجميل موهبةً من العليّ القدير، كما أخذ عنهما أصالة اللحن وحسن الأداء في اللون التراثي البعلبكي​​ "والشمسطاري"​​ بشكلٍ خاص.

 

بالعودة من جديد لأبي مصطفى. كان بشوش الوجه وكنّا نفرح بطيبته وصوته ودماثة معشره وخلقه، وبمسحة الإيمان التي تعلو وجهه، وهو ينشد المدائح النبوية بحرارة وثقة عالية بنفسه.

 

كان في البداية يعتمد في قراءة المولد النبوي على كراسةٍ رقيقة كحاشيته، وعنوانها:​​ تاج العروس. لكنّه سرعان ما حفظها غيبا، واستغنى عن القراءة في الكتاب، وقد حفظه عن ظهر قلب، ليس هذا فحسب ولكنه أضاف إلى الموالد قصائد من تأليفه وتلحينه كانت تناسب​​ كل​​ مقام،​​ كما كان غالباً ما يرتجل أبيات العتابا في السهرات الرائقة.​​ 

 

أمّا ما يميّزه عن غيره من المنشدين؟​​ فقد​​ أعطى المجلس النبوي الشريف روحاً أصيلة باعتماده ألحان بلاده، فاختصّ باللون المعروف بالشعراوي، وذلك نسبةً لجبل الشعرة. وهذا التراث الجميل تختصّ به المنطقة الممتدة من سفح جبل صنّين غربي بعلبك حتّى جرود كسروان وقراها العالية.

 

أسلوب الغناء والترتيل هذا لا يعرفه إلا سكان البلدة، التي تشرف من فوق على بعلبك الشهيرة في التاريخ بأعمدتها ومعابدها ومنها معبد باخوس، حيث كانت تجري المهرجانات المحلية، وأبرز من شارك فيها أيام العز، الأخوان رحباني وفيروز وفيلمون وهبي وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين. العقبى لنا يتردد في معبد باخوس، صوت وائل جسار وملحم زين وهادي خليل وغيرهم من المطربين والمطربات.

 

وسهل البقاع الخصيب الواقع بين سلسلتي جبال لبنان في الشرق والغرب، كان يملأ إهراءآت روما بالحنطة والزبيب، ومختلف الفاكهة المجففة والحبوب. وفي العهد الأموي كانت تمتد حدائق الخليفة هشام بن عبد الملك، من جوار قصره في عنجر المقابل لمدينة زحلة غربا، لمسافة مئة كلم نحو الجنوب وتنتهي في مرجعيون، حدودنا مع الأرض المغتصبة في فلسطين.

 

وفي ذلك يقول سعيد عقل في قصيدته المشهورة سائليني يا شآم، التي أبدعت بأدائها فيروز بما لم يفعله من قبلها كل المطربين:

"أمويون فإن ضقت بهم** ألحقوا الدنيا ببستان هشام"

بالعودة معكم قراءنا الأعزاء إلى الزبائنية من جديد، من زبون يفوح منه الإثم ومعنى الخيانة، إلى زبون المحلّ التجاري وزبائن الحانات وأوكار لعب القمار.​​ للحق ينبغي القول: إنّ هذه المعاني البائسة لا تعنينا. وحاشا أن نصف بها علاقة أهلنا وذوينا​​ "بزعاماتهم"، فهؤلاء​​ أي​​ "الزعماء"​​ في يومنا هذا​​ أضاعوا البلاد والعباد،​​ فلا يزيدون شرفاً عن​​ فاسدين​​ ​​ يديرون​​ حانات​​ العربدة والقمار،​​ "ومن كان عنده حلو..​​ فليطبخه حامضا والسلام".

 

 

أما​​ الزبائنية المتأصّلة في لبنان​​ فتأتي​​ من أطراف الماضي البعيد، من أيام المتصرفية وما يلي​​ حينما​​ كانت متمكّنه للأسف من بعض الحاشية في بلدتنا شمسطار.​​ وكانوا يحتفون بمن ينال من أفراد الضيعة​​ ترقية، ويصبح في عيونهم​​ صاحب​​ ​​ مركز مرموق من أزلام أحد البكوات وزعماء البلاد، وينال بذلك​​ حظوة عنده، يتمكّن من خلالها الشفاعة للغير، ويؤدي بعض الخدمات لعائلته وأبناء بلدته.

 

ولم يكن صاحب المركز​​ أو الوظيفة في ستينات القرن الماضي، ليتجاوز رتبة شاويش في "الجندرمة"، وفي أحسن الأحوال لا تزيد رتبته عن ضابط في سلك الدرك. كان هؤلاء بسبب تقرّبهم من أهل السلطة يتقاسمون بعض النفوذ والمكاسب مع​​ "القبضايات"​​ ورؤساء العائلات في بلدتنا.

 

وكان صاحب المركز المرموق من أبناء البلدة، حينما يأتي إلى بيته أو بيت ذويه، يتأهبون لسهرة عامرة. "خود وهات على لعب طاولة وطرنيب وليخة وأربعميّة وكستر". وفي فترة الاستراحة، يسود القاعة صمت مشوب بالمهابة، ليشنفوا آذانهم بما يجود عليهم من الأخبار.

 

يلقيها على مسامعهم بتأن ورصانة وهدوء، وهو يتطلع في وجوههم وما ينعكس عليها من علامات الرضا بالخطاب. يختار مفرداته وتعابيره بفصاحة ودقة عالية. يتخلّلها غالبا ابتسامات أو ضحكات مكتومة، ومن يفوته معنى الكلام يشارك أقله، بابتسامة ليست خالصة من الغباء.

 

كان المشاركون بالسهرة يتقرّبون من صاحب المركز، ومنهم من يهش ويبش ويتملق ولو كان لبعضهم ذيولاً كالثعالب؟ لهزّوها تقرّباً منه وتكريماً له. هكذا يمر الوقت وتتأخر السهرة ويتبدل اللاعبون جميعا، إلاّ الشخصية المرموقة؛ تبقى على طاولة اللعب مهما حصل لا تبرح المطرح.

 

بينما يتعاقب اللاعبون ويتبدّلون، وهو صامد ثابت في مقعده لا يزيح ولا يتزحزح. وهكذا ينال الجميع شرف اللعب إلى جانبه. وبعضهم يسرّ أحيانا في أذنه همسا في مراجعة قديمة أو مطلب.

 

"العزّ للرزّ والبرغل شنق حالو"! لندرة الأرز والاستعاضة عنه بالبرغل المتوفر دائما في بيوت الفلاحين. ولكن الزمن كفيلٌ بالتغيير والتبديل،​​ فلا​​ يُبْقِي على​​ هذه الأحوال..​​ ​​ لأن​​ لكلّ شيءٍ نهاية ومآل.

 

هكذا تمرّ الأيام فتذهب ريح صاحبنا ذي النفوذ والمركز المرموق، فيخسر حظوته ونفوذه لدى الزعيم. أو ينقل من مركزه إلى مركزٍ أدنى أهمية وأقلّ تأثيراً، وسرعان​​ ما يَرْفَضُّ من حوله الجميع وعن طريق بيته يتوهون. لا يهتمّون لغيابه أو حضوره فلا يسهرون معه ولا يؤانسوه.

 

وهكذا يجد هذا الموظّف المسكين نفسه، وقد فقد كثيرا من معنوياته وقيمته في عيون أبناء بلدته، بعدما فقد وظيفته ومركزه المؤثّر.​​ من هنا فحسب يصح العبور إلى حكاية حمار الحاج مرشد.

 

"ما أكثر الأصحاب حين تعدّهم ** ولكنهم في النائبات قليل".

 

كلّ طلعة تقابلها نزلة​​ .ها نحن الآن في بيت الحاج مرشد رحمه الله وأحسن إليه، بالقرب من عين الماء المعروفة بعين حمدة.​​ كان الحاج مرشد تغمده الله بواسع رحمته، تقيّاً​​ ورعا يمتلك حمارا هو ثروة يومئذ في الأرياف. يستخدمه في نقل المؤونة والغلال والماء من العين.​​ وكان حماره يقوم بواجباته على أكمل وجه، لا يشكو ولا يتذمّر، يقنع بالقليل من الشعير والتبن وقشور الخضار، مما يجود به صاحب البيت.

 

لم يكن الحمار يقوم بخدمة صاحبه فحسب، بل كان يخدم سائر الأقارب والجيران، ممن كانوا يستعيرونه لقضاء حوائجهم بالمجان. وبعد أن تقاعد الحاج مرشد من عمله في الأرض، صار أبناؤه البررة يرسلون له معاشا شهرياً، يكفيه ويكفي زوجته رحمها الله، ويفيض عنهما فيغنيه عن العمل في الحقول، ولم يعد الحاج الطيّب الخلوق يستخدم حماره إلّا في نقل الماء من العين.

 

في إحدى السنوات من سبعينات القرن الماضي، قامت مصلحة مياه اليمّونة بتمديد شبكة ماء، لجميع بيوت البلدة شملت دار الحاج مرشد، وصار لديه في داره من الماء ما يكفي لريّ حاكورته وزراعتها بالبقول كالخس والبصل والبقدونس والبندورة والنعناع. ناهيك عن أحواض الحبق وغير ذلك من أصناف الورد والرياحين، التي كانت الحاجة رحمها الله تتفنّن بريّها والعناية بها وتنسيق ألوانها، حتى غدت دارها حديث الجيران، تفوح عطرا وتشبه روضة ساحرة غنّاء.

 

وهكذا تقاعد حمار الحاج مرشد بدوره، وبات "بوزه" لا يفارق المعلف كلما أتى على ما فيه من تبن وشعير، كلما طالب الحاج مرشد بالمزيد. أكل ومرعى وقلة صنعة​​ "صار بدو ميزانية لحالو". إلّا أنّ العديد من الأقارب والجيران، كانوا لا ينفكون يستعيرون أبا صابر... الحمار.

 

يستعيرونه معظم ساعات النهار، وأحيانا من الصباح حتى المساء. ويعيدونه منهكاً جائعاً فيرقّ لحاضره وماضيه قلب الحاج مرشد، فلا يبخل على دابته بالتبن والشعير مهما غلا سعر العلف.

 

وفي يومٍ من بدايات الخريف لمعت فكرة في رأس الحاج مرشد، حينما توجّه لزوجته بالسؤال: ما رأيك يا حاجة لو بعنا الحمار؟ ما دمنا لم نعد نحتاج إليه في أمر، فنستفيد بثمنه لمؤونة الشتاء، بدلاً من مزيد في الإنفاق عليه، مما يشكل عبئا إضافيا على مال يرفدنا به الأولاد.

 

لم تفكر الحاجة طويلا فأثنت على رأي الحاج، ووافقته الرأي على الفور، فتمت الصفقة وبيع الحمار بسعر ممتاز، لأحد أبناء مزرعة الشعرة.

 

​​ لم تكن قد مرّت أسابيع قليلة على بيع الحمار؟​​ حتّى توجّه الحاج مرشد إلى زوجته بالقول: "بتعرفي يا حاجة كان الحمار يعملنا قيمة في الضيعة"! فأسرعت الحاجة تقول لزوجها: "حاشاك قيمتك كبيرة ليش هالحكي؟" فقال لها: "نعم يا تقبري قلبي" كان جيراننا وقرايبنا يلقون علينا تحيّة الصباح والمساء قبل بيع الحمار ليستعيروه. أمّا اليوم فقد تغيرت الأحوال وصاروا لا يبالون بنا ولا يلقون علينا السلام.

 

لعلّهم يا حاجة كانوا يصبّحوننا ويمسّوننا مسايرةً من أجل استعارة الحمار. قالت الحاجة: "يسلم تمّك يا حاج كلامك صحيح والله".​​ بورك المركز وبوركت الوظيفة التي تمنح مكانة وقيمة لصاحبها وبفقدانها تضيع هذه القيمة. تماماً كما جرى لهذا الرجل الكريم الحاج مرشد مع أبناء بلدته بعد بيع​​ الحمار.

 

للمشاركة

. Ahmad Chebib Diab

Read Previous

بينهُما.. خبزٌ وملح

Read Next

مبروك

12 Comments

  • الدنيا مصالح يا دكتور أحمد… وإنت خير العارفين.

    الموالاة والاحترام والتقدير لصاحب المال، في عالم ينتشر فيه وباء الأنانية والزبانية والطمع. المال لم يعد حاجة بل صار من أسباب الرفاهية والأمان.

    أين نحن من شاعركم العظيم إيليا أبو ماضي وهو يعطيك صكا بأن الأرض ملكك..والسماء، وأن الحقول وزهورها ونخيلها ونسيمها والبلبل المترنم لك وحدك.. مبروك عليك دكتور أحمد.

  • عندما يكون سوء الظن عصمة، أو يكون من حسن الفطن؛ ويغلب على الدنيا المصالح؟ فلا ينبغي أن نحسن الظن كثيرا أو يخدعنا الآخرون؟ قد تكون السلطة من هوى الآخر؟ فإن لم يكن هواه في السلطة؟ ربما كان هواه في نجاح يسعى إليه ؟ فإن لم يكن يطمع في النجاح؟ قد يكون هواه في المال والأملاك؟

    فإن لم تكن الأملاك من هواه ولا المال؟ قد يكون هواه في النسوان؟ فإن لم تكن المرأة من هواه؟ سيكون هواه في حمار الحاج مرشد، يكاري على ظهره بالمجان. أما من كان عفيفا بلا أطماع ولا غايات وأحقاد كملائكة السماء.. وكانت مزاياه من مزاياك حبيب قلبي د. أحمد؟ فطمن بالك؛ هذا البشري لم يولد بعد..!!

    هذا هو الجزء الأول من التعقيب، وأما الجزء الثاني فعن مملكة الحمير، وهو رهن برغبتك في الاستماع؟

  • لست عفيفا بلا أطماع ولا غايات،
    فأنا أطمع بجمال المرأة وحسن دلالها
    “وأموت بنهدٍ يحكم أكثر من كسرى في الليل”
    ولكنك صدقت صديقي الغالي أستاذ ابراهيم وأنت الصادق دائماً،
    فأنا بلا أحقاد ولكن ليس كملائكة السماء، إذ لا ملائكة ولا سماء بنظر العلم “الصحيح” الصارم،
    فالسماء لا تعدو عن غلاف الكرة الأرضية من الهواء
    وما يحتويه من آزوت وأوكسيجين وغازات نادرة وبخار ماء
    وغير ذلك من الأبخرة الناجمة عن شتّى أنواع الملوّثات.

    أمّا عن الطمع فأنا من أشد الطمّاعين والطامعين بالحكمة، ألتقطها من قصاصات الجرائد المرمية،
    ومن أفواه الحكماء والعلماء وكتبهم، وأيضاً من أفواه العامة بسطاء الناس، وحتى من كلام المجانين.

    وهنا والشيء بالشيء يذكر، قرأت فيما قرأت عن قصةٍ جرت في بغداد إبّان العصر العباسي:
    فقد عُرِفَ عن أحد أمراء بغداد وكان من أثرياء المدينة وكبار خاصتها
    أنه كان عالماً حكيماً يتمتّع بهذه الصفات الرائعة، إلى جانب الثراء بالمال والعقار.
    وفي أحد الأيام دخل عليه خادمه وقال له: يوجد رجل على باب القصر يقول لك اعطني مما أعطاك الله،
    فقال اعطه مائة دينار. فخرج الخادم وأعطى الشحّاد هذه الدنانير
    فردّها الرجل للخادم وقال له: قل لمولاك اعطني مما أعطاك الله
    فعاد الخادم للأمير وقال هذا الرجل ردّ الدنانير ويقول لك اعطني مما أعطاك الله
    فأرسل الأمير للشحاد ألف دينار فردّها الشحّاد أيضاً، وقال قل للأمير اعطني مما أعطاك الله
    وهكذا أرسل له الأمير عشرة آلاف دينار، فردّ ها الرجل للخادم وأعاد له الكلام نفسه
    وأخيراً قال الأمير للخادم أدخله عليّ لأرى ماذا يريد
    وحينما وصل الرجل إلى مجلس الأمير بادره الأمير بالقول: لقد أعطيتك كلّ ما أملك من الدنانير فلم تقنع بها..!! وعدت تقول اعطني مما أعطاك الله، فقال الرجل للأمير أما أعطاك الله غير المال؟
    فقال له نعم هاك هذه الحكمة “من اعتزّ بغير الله ذلّ” فسرّ الرجل بهذه الحكمة وحفظها وانصرف.

    أمّا أنا فأقف على بابك أقول اعطني مما أعطاك الله
    ولطالما وقفتُ على باب دار الحلوة فسمعت البلبل يناغي غصن الفلّ:
    ” إجا الشحّاد على باب الدار
    قالتلو الحلوة على الله
    قلّا أنا ماني شحّاد
    واعطيني بوسة دخيل الله”

    https://www.youtube.com/watch?v=zaZVDj88G2Y

  • الصديقة نجمة الصبح الرائعة.. إيناس ثابت
    تنشرين الضوء مع نور الفجر فأرى الحقيقة كما هي
    ثمّ تصدح الأنغام الرائعة وتشعّ ألوان قوس قزح، وانتقل مع كلماتك ياسمينية العطر إلى الحقيقة كما أتمنّاها.. فشكراً لك وألف شكر.

  • “نهدُها حبَّةُ تِيْنٍ نَشِفتْ ** رَحمَ اللهُ زمانَ اللبنِ”.. رحم الله “الوزّان” وأطال الله في عمر صاحبك مظفر النواب. حزنت للغاية إذ رأيت له صورة في الشام، يبدو الضياع على محياه. ذكرتني بصور لينين الأخيرة؛ الأمر محزن للغاية.. محزن حتى الأعماق.

    فلنعد إلى ما كنا فيه بلا نكد، بعيدا مما آلت إليه أحوال أخيك مظفر النواب، وأحوال البلاد والعباد من انهيار شامل قضى على الأخضر واليابس .

    “بَسْ تْشَمِّسْ الدِّني بعد الشِّتي؟ بيقولوا في جبيل: عم يتجَوَّزِ الواوي”. أشرقت الشمس اليوم ولكن: “مين بيضمنلي زواج الواوي؟ حتى خبرك الجزء الثاني من التعليق.. يبدو لي إنو ما جاي عبالك تسمع”..؟

  • ألم ترني واقفاً على باب قصرك قائلاً “اعطني مما أعطاك الله”؟

  • حسنا سأفعل.. ولكن ليس قبل أن تلعن الشيطان، يستفز نزعتنا إلى التمادي في الخيال وحرية التفكير.

  • ما لنا وللشيطان فلندعه لشأنه فيتركنا بحالنا
    ومما أعلمه عن الحاج مرشد، رحمه الله، أنه أثناء قيامه بمناسك الحج بمكّة المكرمة كان عليه أن يرجم ابليس فأبدى اعتراضه قائلاً “ليش بدّي أرجمه؟ شو عمّلّي؟ ما بدّي إكسب عداوة حدا”
    وكما أخبرنا الصديق الأستاذ عادل الحاج حسن عن الأديب الفرنسي فولتير والمعروف بإلحاده بأنه حين كان على فراش الموت وطلب منه الكاهن المسيحي أن يلعن الشيطان قال ” الوقت ليس وقت عداوات ….”
    واحتراماً منّي لذكرى هذين الشيخين الجليلين، رحمهما الله، الحاج مرشد وفولتير، فإنّي لن ألعن الشيطان”
    أمّا وقد وضعتً أستاذنا الكريم رجلاً لك في فلاحة العلم والعلمانية ورجلاً أخرى في بور لعن الشيطان والفكرة الدينية فلك أن تفعل ماتريد
    واعلم أنني أقول لك “اعطنا مما أعطاك الله” ولا نريد شيئاً من شياطين الإنس والجنّ

  • ما أحلاك وأحلى ما تقول؟ علام نلعنه ونكسبُ عداوته، ليتربص وينحرف بنا على الكوع نحو المهوار ؟ لكنني لست ضالا ملحدا ولست مؤمنا بالمطلق، وهذه واحدة من عللي، فلو حسمتُ أمري لارتحتُ وأرحتُك معي.

    والشيطان المسكين فشة خلق..نشتمه أخطأنا أو أصبنا، غضبنا أو رضينا؟ نشتمه “ع العمّال والبطّال”..!

    نادرة كانت مُتداولَة عن داهية في العرب بعد صاحب الشعرة، حرص عليها مع خصومه فلم تنقطع طيلة عمره. كان يؤدي مناسك الحج ويقوم برمي الجمرات، حينما رأى رُجْمَةَ الحصوات تتحرك أمام ناظريه، ويظهر رأس إبليس يطل من بين الحصى، يقول للرجل وهو يلقي الجمرات: عجبا يا رجل حتى أنت..! ترجمني..!؟

    تمنّيتُ عليك أن تلعن الشيطان. ولما كنت وفيا له لا تتنكر لصداقتك معه؟ فتعال بنا إلى مملكة الحمير:

    في تلك المملكة؟ حيث تخيّم على الدنيا القناعة والرضا والسلام؟ كحال حمار الحاج مرشد، المخلوق المخلص المسالم الأمين ، الذي استبدَّ به الآخرون، فارتضى لنفسِهِ أعمالَ السُّخرة، والسُّمعةَ المُسْتباحة.

    لا يشكو أو يتذمَّر، مظلومٌ لصوتِه المنكر، مخلصٌ لأصحابِه. صَبورٌ على الشدائدِ والشتائمِ والجوع. في حبِّه هَوَسٌ يبلغُ حدَّ الجُنون. صادق لا يتغاضى عن رغباتِه المفضوحة ، يستحقُّ أن نشفق عليه ونرأفَ بأحواله.

    حينما اسَنفرَتْهُ أتانُه بعطرها الأنثوي المثير، وإشارةٍ من طرْفِها المكحول، وقد تناهى إلى مسامعِه لحنٌ رخيمٌ يناديه كالمستغيث؟ وكان يرعى آمناً مطمئناً إلى جانبِ السُّور في أعلى الطريق، تحرَّكتْ هرموناتُه وتجاوزتْ رأَسَه إلى سائِر أعضائه، وصارت أعصابه كالمسامير. ثم سَرَتْ بين فخذيه رعشةٌ لذيذة لا تُقاوَم.

    نَبَضاتُ قلبِه بلَغَتْ حدّها الأقصى. غلبتْه عواطفُه؛ فَقَدَ الشّقيُّ صوابَه؛ أصابَ العمى بصيرتَه وقال لنفسه: ليست إلاّ بضعة أمتارٍ نحو الأسفل وتكونُ في مرمى سلاحي. دقَّ النّفير؛ ارتفعتْ عقيرُته بالحداء، شهر سلاحه وانقضَّ بعزيمةٍ على هدفِه كالمجنون، فأدركَها ثمّ اختلجتْ أنفاسُه قليلاً وأسلَمَ بينَ ذراعِيها الروح.

    أما وقد أفردتَ حيزا ملحوظا خصصته للزبانية وأنت تتحدث عن حمار الحاج مرشد؟ فلم أنتهِ بعد من قولي؛ لذلك دعني أفش خلقي وعلى مسؤوليتي وحدي. مش أحلى ما أكتم أنفاسي وأخنقها في قلبي..؟! “هل وطنٌ تحكمه البغايا البشرية؟ وطن هذا أم مبغى؟!”. هذه الزمرة التي نَدَرَ فيها الأوادم من الأحياء!؟

    بعد أن مات من استحوا! ومن بقي حيا من “الحكام الأوادم” إن وجدوا..؟ لن يجترحوا العجائب ويصلحوا هذه الزمرة الزانية، لأن مريديك وزمن العجائب قد ولّى إلى غير رجعة، ليبقى الخوف على ذرية الحاج مرشد، فلا يتحولون إلى زعران ويتقاسمون ما بقي من عظام البلاد مع هذه السلطة الزانية، التي تجاهر بقلة الشرف؛ فلتنتحر أو ترحل. يدارون وجوههم، يمسحون البصاق عنها ويعتقدون أن الدني عم تشتي.

    ما زلت من مريديك ومتمسكا بمنزلتك في قلبي، بأنك مثلي الأعلى أأتَمُّ به وأشعر بفضله على راسي وفي قلبي. قل لي بربك أتتذكر أغنية سيد مكاوي؟ أيوه؛ الأغنية الطربية إياها.. ألا تليق بهم وبحريمهم؟

  • كلنا امراء..
    “كل واحد منا تحول إلى أمير
    فمن يرعى الحمير؟”
    الحمد لله اليوم بتنا كلنا أُمراء
    وقد انقرضت من قرانا الحمير ..
    صرنا ندفع مصاري لليهود..
    تنفرجي أولادنا وأحفادنا عليها..

    بوركت دكتور أحمد
    تكتب لنا دائما عن وجعنا

  • الأستاذة الصديقة شهربان

    للحجل؟ طير نبيل يعيش في أعالي جبالنا، مشية جميلة
    كأنها الرقص على أنغام خفية.. أو كأنها
    عرس صبية من بلادنا، ترقص وتتهادى رشيقة في رقصها
    تحرك خصرها على الإيقاع
    وتحاكي الحجل في غمرة من الفتنة والرؤى والأحلام

    ومشية الحجل نطلق عليها بلغتنا المحكية، الغنية بأروع المفردات والتعابير:
    كرجة حجل. لأن الحجل يطير أو يكرج.. وهو أشد براعة من أن يتنقل أو يمشي
    وفي تراثنا المحكي… قصة مقارنة بين الحجل والغراب؟
    فالغراب هو الآخر يتميز بمشية أنيقة.. أو قل بكرجة خاصة يتميز بها

    ويحكى أن الغراب شعر بالحسد من الحجل
    فأراد أن يغير مشيته ليقلد الحجل في كرجته

    وهكذا حاول الغراب واجتهد فلم يتعلّم كرجة الحجل
    ليس هذا فحسب..؟ بل نسي كرجته المعتادة
    فضُرب فيه المثل الشعبي بالقول:
    ” فلان متل الغراب اللي بدّو يقلّد كرجة الحجل؟
    فنسي مشيته، ولم يتعلم كرجة الحجل

    كان لمدننا وقرانا طعم الحياة المتكاملة
    التي تقوم على الزراعة والصناعات المرتبطة بها
    وعلى التجارة فيما بينها.. ومع الخارج

    ومع ظهور المنتجات والتقنيات الحديثة
    أعجبتنا بعض مظاهر حضارة الغرب وأردنا تقليدها
    ففشلنا فشلاً ذريعاً
    حينما لم يعد بإمكاننا العودة إلى ما كنّا عليه من موروثنا عبر الزمن

    للصديقة الأديبة الكاتبة شهربان معدّي
    ألف شكر وتحية لمرورك العطر الذي أتبارك به
    وتغريدتك الجميلة المعبّرة المختصرة.

  • هذه المرة لا أريدك أن تلعن الشيطان فهو صديقي، وقد تعلمتُ منه “الكثير” وأبرمتُ معه عهدا أن لا أشتمه.. ولا يشتمني. وأذا كنتُ قد ارتضيتُ الشيطان من حصتي وصديقي؟ وكنتَ صديقي دون أن أفرض عليك صداقتي؟ هكذا تصح العودة إلى المعادلة في الرياضيات، لا سيما أنك علمت المادة آلآف الطلاب كما علمتني:

    Deux quantités égales à une même troisième ,sont aussi égales entre elles ومبن ساواك بنفسو ما ظلمك.

    وبعد؛ فقد وردتني رسالة على بريدي مليئة بالمشاعر النبيلة. بل يمكن وصفها بقمة اللياقة واللطافة والأدب. لكن صاحبها يقول مع الأسف وهو شاعر مشهور: أنا لا أكتب حسب الطّلب، ولست شاعرًا شعبيًّا!

    لا يكتب حسب الطلب؟ هذا من أبسط قواعد الديموقراطية والحق. لكن دون أن يتحامل على الشعر الشعبي.

    ولما كان للصديقة شهربان علاقة بالموضوع؟ فدعني أرد من خلال صفحتك، وأعدك أن أكون في غاية الاتزان. لأنني أتحدث من صفحتك، و أتوجه بالخطاب إلى صديقة محترمة ومقدرة جدا كشهربان.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *